مجرد كلمات متقاطعة
زوجتي - ما غيرها - من هواة حل الكلمات المتقاطعة، وكانت قبل سنوات تسألني عن الكثير من المعلومات، ثم توقفت عن السؤال، وصارت تحلّها (كرجة مي) ولا تتوقف، إلا عند بعض الكلمات القليلة والنادرة .
المقصود أن الكلمات المتقاطعة تدخل في إطار المتعارف عليه بين جميع مؤلفيها ( إن صح التعبير )، وهذه من مقومات الوحدة العربية، التي لم نثبتها بعد، مع وحدة التاريخ والجعرافيا والدين .... والأبصر شو اسمه .
في معظم الكلمات المتقاطعة المنتشرة في أرجاء العالم العربي، تجد عبارات متشابهة تماما مثل:
- مادة قاتلة من حرفين .
- مخترع التلفون
- أديب عربي حاصل على جائزة نوبل.
- العندليب الأسمر
- يجري في العروق من حرفين
- كوكب الشرق
وغيرها من المعلومات التي يسأل عنها حلاّل الكلمات المتقاطعة مرة واحدة، ثم يشرع في الحل كأيّ عبقري، ولا يتوقف سوى عند بعض الكلمات، لا بل عند بضعة حروف منها فقط، لأن معظم أحرفها ظهرت، من خلال التقاطع مع كلمات أخرى نقليدية.
هكذا تنشأ عندنا ثقافة تقليدية مكرّرة روتينية ميكانيكية وغير مبدعة، لكنها تعطي الحلاّل إحساسا وهميا بالمعرفة والثقة والنجاح، نتيجة حل الكلمات المتقاطعة بزمن قياسي ... وهكذا يشعر الموظف الحكومي بالإنجاز والإشباع، ويشعر بأنه قد استحق أجره بكل جدارة، فيرتمي على الكرسي حتى نهاية الدوام ، لا شغلة ولا عملة، سوى النظر بين الفينة والأخرى بفخر أجوف إلى كلماته المتقاطعة المحلولة.
المشكلة أن ثقافتنا بشكل عام تشبه إلى حد بعيد، يصل إلى حد التطابق، الكلمات المتقاطعة، لذلك لا يحتاج المواطن العربي سوى إلى ما معدله 6 دقائق سنويا – وليس يوميا - من المطالعة، بينما في دول الغرب (ذوي الأصفر الممراض) يحتاج المسكين إلى 200 ساعة سنويا كمعدل ... هذا بحسب دراسة عربية صدرت عن هيئة عربية نسيت اسمها.
أتمنى أن يكون الربيع العربي ثورة عارمة على ثقافة الكلمات المتقاطعة، لأننا من دون ثقافة متجددة ومبدعة غير ميكانيكية، من دون ذلك سنرجع بعد سنة إلى دائرة الكلمات المتقاطعة ذاتها، ونكون قد استبدلنا ديكتاتورا بديكتاتور آخر ، ونظاما لا ديمقراطيا بنظام لا ديمقراطي آخر، تماما كما نستبدل كلمات متقاطعة محلولة بأخرى مثلها غير محلولة بعد.
(الدستور )