وضع مثير للشبهة .
تقول النكتة أو الحكاية، بأن سيدة يقع بيتها قرب محطة القطار، كانت تشعر بأن أثاث بيتها يتفكك عند مرور القطار، وكانت تسمع أطوات طقطقة وتفكك في خزانة الملابس ، لذلك إتصلت بالنجار وشرحت له القصة ، فأبلغها الرجل بأن عليه أن يحضر الى البيت في ذات لحظة مرور القطار والدخول الى الخزانة لمعاينة ما يحصل بها ، ولمعالجة المشكلة ميدانيا.
وافقت السيدة ، وجاء النجار، ودخل الخزانة بإنتظار لحظة مرور القطار الذي أحدث هديرا ورجرجة أدت الى إنغلاق باب الخزانة على النجار، في ذات وقت دخول زوج السيدة المصون الى البيت ، الذي شاهد زوجته تنظر مرتعبة الى باب الخزانة، فهجم على الباب بعنف وفتحه ليشاهد صديقنا النجار في داخل الخزانة . ما كان من النجار إلا أن انفجر بالضحك، وقال للزوج الغيور ويضحك بهستيرية:
- أنا متأكد أنني لو حلفت لك مليون يمين وقسم بأنني كنت في الخزانة بإنتظار مرور القطار، لما صدقتني!
لا أعرف رد فعل الزوج، الذي قد يختلف ، حسب درجة غيرته وتعقله أو جهله، أو مدى ثقته بزوجتة، أو ربما يجد الأمر فرصة للتخلص من الزوجة والعشيق المزيف ليقتلهما معا،ويخرج من هذه الجريمة المزدوجة مثل الشعرة من العجين، ويحصل على امتياز الظروف المخففة التي تعطيها معظم قوانين العقوبات والجرائم في العالم العربي ، لمن يقتل واحدة من حريمه أو ولاياه في ظروف (من شأنها أن) تجلب الشبهة.
المبكي ، غير المضحك أن شباب الربيع العربي والحراكات الشبابية الكبرى في كافة أرجاء العالم العربي ، وجدت نفسها في هذا الوضع المثير للشبهة، فقد جاؤوا للإصلاح، وحملوا معداتهم لإصلاح خزائن الوطن المرتجة تحت أقدام الفاسدين المفسدين ، لكنهم وجدوا أنفسهم في موقف محرج ، قد يكون أكثر احراجا من موقف النجار والزوج.
في تونس كما في مصر، لم يكن الأمريكان قد استوعبوا الفكرة بعد، فوقفوا مبهوتين أمام الشارع العربي الذي نجح في اسقاط نظام بن علي الفاسد في تونس ، وفي الأيام الأخيرة من سقوط نظام حسني مبارك دعت وزيرة الخارجية الأميركية ، السيدة كلينتون ، دعت الرئيس المصري الى التنحي ،ولكن بخجل شديد.
ثم شرع الأمريكان الى الوقوف ظاهريا مع الحراكات، لغايات ركوب الموجة، بعد أن ادركوا قدرتهم على التغيير
لكن هذا الأمر وضع شباب الربيع العربي موضع شبهة ، نظرا لنمط التفكير الميكانيكي السائد لدينا ، الذي يفترض أن امريكا لا تقف الا مع الخطأ ، ويتناسى أصحاب هذا التفكير أن أمريكا دولة برغماتية تبحث لها عن دور رئيس في أي نظام جديد ، وأننا اذا بقينا على هذا النمط في التفكير فإن امريكا ستقف الى جانب كل حركة ثورية في العالم العربي ، حتى تبعدها عن الناس وعن الشارع.
(الدستور )