العقل بالصبر
المنحازون الى فكرة التيار القومي التقدمي في المواطنة والعدالة والأمان وفقا لمنهجية المواطنة والعروبة والديمقراطية لا يرهبهم سعار أولئك الذين يحاربون مبادئ المواطنة ويلعبون على سياسات الهوية وعلى هواجس البشر وكأنهم ممثلي هوية مفقودة، وكأن الإشكال في الأردن هو إشكال هوية وليس مواطنة. المنحازون إلى فكرة المواطنة يدركون أن الصوت العالي الموتور ليس إلا تعبيرًا عن عقد نجمت عن العجز عن لعب دور قيادي، ويفهمون أن ذلك يدفع أصحابه للغلو ورفع الأصوات الهادرة لتسميم مناخات الفعل السياسي تنفيذا لرؤى أمنيه بعينها. أولئك الباحثين عن دور قيادي استنادا إلى هواجس طائفية وإقليمية, الساعين لكسب حفنة اصوات هنا وهناك، لا يتورعون عن التنقل بين عواصم محيطه بنا لجمع مال أسود، ولا عن المساومة مع المركز الأمني السياسي على قضايا الوطن، وعليه فإنهم يمثلون أفضل هدية تستخدم من قبل المركز الأمني لإعاقه التقدم الى مجتمع الحرية والعدالة والكرامة.
في المقابل، يرى المنحازون إلى فكرة الدولة المدنية الديمقراطية أن مجاميع من مراكز قوى سياسية مالية تدور بدورها في فلك المركز الأمني السياسي تعمل هي أيضاً على استخدام الهواجس في الانتخابات الجارية من خلال توظيفها لكلمة "الوطن" و"المواطنة" لكن من دون تقديم فهم ناضج لها وبمعزل عن مظلتها "العروبة". فكرة المواطنة، ككل الأفكار الكبرى، ستظل عرضة للاستخدام نظرًا لشعبيتها وراهنيتها، لكن يغفل البعض أن منهجية الدولة المدنية ليست مبنية على الهواجس، وهي ليست منهجية تدعو لتقاسم الوطن بين هويات، وإنما هي منهجية تعالج الهواجس وتذيبها عبر إعادة صياغة العلاقة بين الفرد والدولة.
وفي الحملة الانتخابية التي تقترب من نهايتها وجدنا من يهاجم المواطنة لاحتكامه إلى سياسات الهوية، كما وجدنا من يلجأ لها لجوءًا سلبيا لقصوره في فهمها، واعتقادًا منه أنها وسيلة لحماية جماعة ما. وبذلك، فإن كلا الطرفين يسهمان في الانقسام المجتمعي.
أما نحن فنتبنى المواطنة لأننا نرى الآفاق الرحبة للدولة المدنية، ولأننا نرى فى الهواجس محفزا لمعالجتها لا للارتهان لها، مدركين في الوقت نفسه أن أهم مغذ لتلك الامراض والهواجس هو الدولة الرعوية الممتدة من عشرات السنين... هذه الدولة التي مثلت الأساس والبيئة التي ترعرع وسطها وبسببها الاستبداد، المنتج للفساد، الحليف الحقيقي لأعداء الأمة.
إننا نؤمن أن العقل بالصبر، ونرى طيفا واسعا من الشباب ينحاز الى العمل والجهد الجمعيين، وفقا للرؤيا العروبية القومية التقدمية المتجاوزة للأمراض الإقليمية والطائفية والعرقية، ويدرك أن مصائر الشعوب والأوطان تعالج بالعمل السياسي الاجتماعي الثقافي الجمعي مع المواطنين. فينحاز إلى الموقف السياسي المبدئي الأخلاقي, ولا يحيد عن ولائه لمصلحة جماهير شعبه، صاحبة المصلحة في الفكرة الكبرى. وعليه نشهد حاله إرهاص وتفاعل شديدين تؤسس لمرحلة جديدة من المقاربة بين الثقافي والسياسي، وتقارب بين المبادرات المجتمعية المنعزلة لصالح انتاج صيغ عمل مجتمعية مشتركة تبني المعرفة في الميدان وتعزز المعرفة النظرية وتؤسس لمغادرة الشباب مواقع الاحتراب مع الحزبية.
التحيه للشباب الذين يكدون لإيجاد الطريق نحو مجتمع منتج يؤسس لمستقبل آمن يتجاوز ثنائية معطلة للإصلاح يعمل طرفاها على التمسك بكل ما من شأنه أن يراكم السلطة والثروة له وحده.
التحية للشباب المقبل بتفاؤل على الحياة ليتمكن من القيام بدور النخبة الحقيقي العضوي... لحمل الكتلة المجتمعية.
المستقبل للشباب بكل ما يحمله من مخاطر وبارقات أمل ...