رحلة النفط والغاز من الفساد والإفساد إلى تدمير المجتمعات
خالد رمضان
جو 24 : باتت الصورة واضحة وضوح الشمس، فقد اكتملت فصول المسرحية التي تعمدت بقرار دول النفط تعويم الإمبريالية عن طريق تسعير النفط وبيعه بالدولار، وها هي تؤول إلى تسخير ريع الغاز لتدمير النسيج الاجتماعي في الوطن العربي خدمة للإمبريالية ذاتها.
تبدد الوهم الذي قال إن من شأن أموال النفط والغاز أن تسهم في التنمية، وقد صار واضحًا منذ زمن أن دوره الاساس كان إقامة المتاريس والسدود والجدران الثقافية والسياسية المانعة للتنمية والتطور، وتعميق العلاقات الريعية، وتعزيز النظم الفردية والأوتوقراطية المستبدة الفاسدة.
بالطبع لا ينكر دور البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المنتشرة على امتداد الوطن العربي في تسهيل مهمة رعاة النفط والغاز.
فكانت النتيجة الضرب بعرض الحائط بدولة المواطنة وجعل الديمقراطية مفهوما مفرغا من التعددية الحقيقة، كما جرى تمكين سلاح العشيرة والمسجد وتوظيفه تحت سطوة المراكز الامنية السياسية.
في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الوقت ذاته بشرت بعض الجماعات والمراكز التي تدور في الفلك الأمريكي بالديمقراطية والتعددية والليبرالية، ونفذت خططها القائمة على إنكار وجود جماعات ذات مصالح، وعلى التركيز على الفردية بمعزل عن ارتباطات الفرد الجماعية، فانفلتت قوى الفساد من عقالها وتم إعادة إنتاج الوعي عن طريق وصفة الصوت الواحد(قانون الانتخاب ) في الأردن (مثلا) وتم تغييب مفهوم الانتماء الوطني لصالح إنتماء ديني فوق-قومي، وعشائري تحت-وطني، وصارت أوسلو ووادي عربة نتيجة طبيعية لضياع مفهوم الوطن وتعزز المصلحية والفساد أو الانكفاء على الذات أو على الماضي.
ومن هنا، ولما اندلع الحراك الشعبي العربي في نهاية 2010 من دون قيادة ومن دون برنامج تغييري واضح، تم حرفه عن هدفه بسهولة وصار الصراع الاجتماعي محصورا في الوطن العربي بين نتاجين من نتاجات الدول الفاشلة: القوى الأمنية وقوى تسييس الدين.
لكن هل هذان الطرفان فعلا أضداد؟ بالطبع لا، ففي حقبة الصراع في أفغانستان ومنذ نهاية السبعينات تحركت المليارات من الدولارات من يد النظم الحاكمة الى تيارات تسيس الدين لتبدأ حقبة التيارات الدينية العابرة للحدود.
وبقدر انسحاب الدولة من دورها الاجتماعي والاقتصادي كانت تلك التنظيمات والافكار تملأ الفراغ وبموافقة المركز المقاد من امريكا، الامر الذي ارسل رسالة طمأنة الى كل اصحاب الملاين (افرادا وجمعيات) بشرعية توريد الاموال الى هذه التيارات والتي لم تكن تخفي منهجها الذي يبشر بالحاكمية وجاهلية المجتمع،ونرى خطورة هذه التنظيمات والتيارات ودمويتها خطرا داهما ، وتتحدث بعض الأرقام عن اكثر من 17 مليار دولار فقط لحركة طالبان لأسقاط الروس لصالح امريكا،نعم انه النفط والغاز بقيادة امريكا مدمر التنمية وناشر الدم.
فهل تغير هذا الآن؟ ما يلفت النظر انه رغم اقرار العديد من المثقفين والسياسين والكتاب بخطورة التمويل الذي يصل إلى داعش وغيرها، فإنهم يؤكدون اهمية التمويل كأساس لأنتشار هذه التنظيمات والافكار المتطرفه ، ويتوقف القلم عن الكلام المباح! في تحديد مصدر هذه الاموال ، فهل حركة هذه الاموال الضخمة الرسمي منها و/او الشعبي كانت ستكون ممكنة لولا الموافقات والتسهيلات من المركز الامريكي وادواته؟ وهل يملك ثلاثة اشخاص يقيمون في اقليم كردستان أن يسوقوا ويبيعوا النفط المنهوب والمسروق من العراق وسوريا لولا هذه الموافقة؟ وهل تستطيع 127 شخصية منتشرة من دول الخليج الى شرق جنوب اسيا تمويل هذه التيارات بدون موافقة امريكا وتسهيل ذلك؟ لذلك نقول كفى تعميه للحقيقة.
ودعونا من مسرحيات محاربة الإرهاب، فما منشئي هذه الظواهر الإرهابية ومموليها إلا من أدوات الإمبريالية، وما محاربي هذه الظواهر الإرهابية إلا ببيادق إمبريالية، فقد أظهرت تجربة العقود الماضية أن الدولة الأمنية (سواء اتبعت الليبرالية السياسية والاقتصادية أم لم تفعل) وتيارات تسييس الدين هما وجهان لعملة واحدة هي عملة الإمبريالية التي تستهدف نهب ثرواتنا وتفتيت مجتمعاتها.
تبتدع المراكز الغربية مخططات لتفتيت النسيج الاجتماعي وتدميره، وتستحضر الصراع السني الشيعي من التاريخ، وتقوم دول النفط والغاز بتمويل هذه المخططات، وتكون ضحاياها مجاميع هائلة من البشر، وتستعر الحروب والنزاعات وتنشأ تنظيمات إرهابية تقوم بالمهمة، فيتم ضخ المال النفطي والغازي لصالح المجمع العسكري الصناعي الغربي لشراء الأسلحة، ثم يأتي دور "ردع" هذه التنظيمات، فتمول الجيوش أيضا من قبل دول النفط والغاز وتمتص فوائضها المتحققة في السنوات السابقة، ويتم تدمير البنى التحتية على امتداد الوطن ،كما في سوريا والعراق، ويتم تهيئة الظروف على الأرض لسيطرة الأمريكان على مصادر الطاقة، وربما لاحقا يتم توفير فرص عمل للشركات الأجنبية العاملة في إعادة الإعمار. وكل ذلك على حساب الثروات العربية والأجيال القادمة.
هذه الحرب حرب إمبريالية لا تهدف إلى مكافحة الإرهاب، فالقوى المنخرطة في مكافحته هي التي دعمته ومولته، والمحاور المختلفه التي تم الحديث عنها مؤخرا كمحاور متنافسة (قطر والسعودية) تتقارب الآن تحت جناح الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، وليس غريبا ان يكون ابن بيريز(الصهيوني ) مستشارا ماليا لبعض الصناديق السيادية لدول الخليج! بالمقابل نجد المحور الثالث والذي تقع ايران بالقلب منه يناور وعينه الاساس في جنيف ،متسلحا بأوراق في غير عاصمة ومكان وليس غريبا ان لا نراه متصادما بالفعل مع التطورات التي تشهدها المنطقة ,,, كفانا تضليلا، هذه حرب إمبريالية على مستوى العالم، بين قوى آفلة وقوى صاعدة، وما العرب إلا وقود.
فمن جهة تسعى الإمبريالية لمحاصرة روسيا الناهضة، وتتنافس معها على السيطرة على أوروبا التي ترضخ لمن يتحكم بحنفية النفط والغاز. وكما هي معركة مع روسيا على أوروبا، فهي معركة مع الصين على طريق الحرير الجديد.
هاتان المعركتان مرشحتان للحسم في منطقتنا وما حولها، لذلك نقول، وعلى الرغم مما قد يبدو من تراجع نسبي في الأهمية الاستراتيجية للكيان الصهيوني، فإن ما يجري في المنطقة لا يؤسس لتسويات حقيقية،(خاصه بما يتعلق بالقلب منها فلسطين) وأنما قد نرى تسويات واتفاقات اقتصادية على حدود النار بخصوص الطاقة والمياه ،بالمقابل نرى كرات النار والدم والفوضى تزداد انتشارا واتساعا، وما يعتمل في سوريا والعراق قد ينتشر الى المناطق المحيطة بأشكال مختلفة، ولا نعتقد ان احد بمعزل عن ذلك ،ونرى دورا للكيان الصهيوني ليلعبه على المكشوف مع بعض النظم العربية في خدمة الإمبريالية في حربها.
ما الموقف السليم في هذه اللحظة؟ هل نقف مع أمريكا ضد الإرهاب، أم نقف ضد التدخل الأمريكي من منطلق أن العدو الأول هو الإمبريالية؟ في الحقيقة لا هذا ولا ذاك، فالطرفان جزءان من منظومة واحدة هي منظومة الإمبريالية والتبعية والإفقار والنهب والفساد والدمار الاجتماعي.
إننا ضد الإمبريالية الإرهابية بوجهيها النيو ليبرالي والفاشي-الديني. ولكننا نقر أن ميزان القوى الداخلي في الوطن العربي بصعوبات جمه للمجابهة المباشرة لذلك نقول إن طريقنا... طريق التنمية ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة كخطوة على طريق التحرر الوطني... طريق طويل وموحش.
ولكن لا مناص من الولوج الى المفاهيم والافكار التي تؤسس له..
* الكاتب منسق التيار القومي التقدمي – قيد التأسيس
تبدد الوهم الذي قال إن من شأن أموال النفط والغاز أن تسهم في التنمية، وقد صار واضحًا منذ زمن أن دوره الاساس كان إقامة المتاريس والسدود والجدران الثقافية والسياسية المانعة للتنمية والتطور، وتعميق العلاقات الريعية، وتعزيز النظم الفردية والأوتوقراطية المستبدة الفاسدة.
بالطبع لا ينكر دور البيئة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية المنتشرة على امتداد الوطن العربي في تسهيل مهمة رعاة النفط والغاز.
فكانت النتيجة الضرب بعرض الحائط بدولة المواطنة وجعل الديمقراطية مفهوما مفرغا من التعددية الحقيقة، كما جرى تمكين سلاح العشيرة والمسجد وتوظيفه تحت سطوة المراكز الامنية السياسية.
في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الوقت ذاته بشرت بعض الجماعات والمراكز التي تدور في الفلك الأمريكي بالديمقراطية والتعددية والليبرالية، ونفذت خططها القائمة على إنكار وجود جماعات ذات مصالح، وعلى التركيز على الفردية بمعزل عن ارتباطات الفرد الجماعية، فانفلتت قوى الفساد من عقالها وتم إعادة إنتاج الوعي عن طريق وصفة الصوت الواحد(قانون الانتخاب ) في الأردن (مثلا) وتم تغييب مفهوم الانتماء الوطني لصالح إنتماء ديني فوق-قومي، وعشائري تحت-وطني، وصارت أوسلو ووادي عربة نتيجة طبيعية لضياع مفهوم الوطن وتعزز المصلحية والفساد أو الانكفاء على الذات أو على الماضي.
ومن هنا، ولما اندلع الحراك الشعبي العربي في نهاية 2010 من دون قيادة ومن دون برنامج تغييري واضح، تم حرفه عن هدفه بسهولة وصار الصراع الاجتماعي محصورا في الوطن العربي بين نتاجين من نتاجات الدول الفاشلة: القوى الأمنية وقوى تسييس الدين.
لكن هل هذان الطرفان فعلا أضداد؟ بالطبع لا، ففي حقبة الصراع في أفغانستان ومنذ نهاية السبعينات تحركت المليارات من الدولارات من يد النظم الحاكمة الى تيارات تسيس الدين لتبدأ حقبة التيارات الدينية العابرة للحدود.
وبقدر انسحاب الدولة من دورها الاجتماعي والاقتصادي كانت تلك التنظيمات والافكار تملأ الفراغ وبموافقة المركز المقاد من امريكا، الامر الذي ارسل رسالة طمأنة الى كل اصحاب الملاين (افرادا وجمعيات) بشرعية توريد الاموال الى هذه التيارات والتي لم تكن تخفي منهجها الذي يبشر بالحاكمية وجاهلية المجتمع،ونرى خطورة هذه التنظيمات والتيارات ودمويتها خطرا داهما ، وتتحدث بعض الأرقام عن اكثر من 17 مليار دولار فقط لحركة طالبان لأسقاط الروس لصالح امريكا،نعم انه النفط والغاز بقيادة امريكا مدمر التنمية وناشر الدم.
فهل تغير هذا الآن؟ ما يلفت النظر انه رغم اقرار العديد من المثقفين والسياسين والكتاب بخطورة التمويل الذي يصل إلى داعش وغيرها، فإنهم يؤكدون اهمية التمويل كأساس لأنتشار هذه التنظيمات والافكار المتطرفه ، ويتوقف القلم عن الكلام المباح! في تحديد مصدر هذه الاموال ، فهل حركة هذه الاموال الضخمة الرسمي منها و/او الشعبي كانت ستكون ممكنة لولا الموافقات والتسهيلات من المركز الامريكي وادواته؟ وهل يملك ثلاثة اشخاص يقيمون في اقليم كردستان أن يسوقوا ويبيعوا النفط المنهوب والمسروق من العراق وسوريا لولا هذه الموافقة؟ وهل تستطيع 127 شخصية منتشرة من دول الخليج الى شرق جنوب اسيا تمويل هذه التيارات بدون موافقة امريكا وتسهيل ذلك؟ لذلك نقول كفى تعميه للحقيقة.
ودعونا من مسرحيات محاربة الإرهاب، فما منشئي هذه الظواهر الإرهابية ومموليها إلا من أدوات الإمبريالية، وما محاربي هذه الظواهر الإرهابية إلا ببيادق إمبريالية، فقد أظهرت تجربة العقود الماضية أن الدولة الأمنية (سواء اتبعت الليبرالية السياسية والاقتصادية أم لم تفعل) وتيارات تسييس الدين هما وجهان لعملة واحدة هي عملة الإمبريالية التي تستهدف نهب ثرواتنا وتفتيت مجتمعاتها.
تبتدع المراكز الغربية مخططات لتفتيت النسيج الاجتماعي وتدميره، وتستحضر الصراع السني الشيعي من التاريخ، وتقوم دول النفط والغاز بتمويل هذه المخططات، وتكون ضحاياها مجاميع هائلة من البشر، وتستعر الحروب والنزاعات وتنشأ تنظيمات إرهابية تقوم بالمهمة، فيتم ضخ المال النفطي والغازي لصالح المجمع العسكري الصناعي الغربي لشراء الأسلحة، ثم يأتي دور "ردع" هذه التنظيمات، فتمول الجيوش أيضا من قبل دول النفط والغاز وتمتص فوائضها المتحققة في السنوات السابقة، ويتم تدمير البنى التحتية على امتداد الوطن ،كما في سوريا والعراق، ويتم تهيئة الظروف على الأرض لسيطرة الأمريكان على مصادر الطاقة، وربما لاحقا يتم توفير فرص عمل للشركات الأجنبية العاملة في إعادة الإعمار. وكل ذلك على حساب الثروات العربية والأجيال القادمة.
هذه الحرب حرب إمبريالية لا تهدف إلى مكافحة الإرهاب، فالقوى المنخرطة في مكافحته هي التي دعمته ومولته، والمحاور المختلفه التي تم الحديث عنها مؤخرا كمحاور متنافسة (قطر والسعودية) تتقارب الآن تحت جناح الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني، وليس غريبا ان يكون ابن بيريز(الصهيوني ) مستشارا ماليا لبعض الصناديق السيادية لدول الخليج! بالمقابل نجد المحور الثالث والذي تقع ايران بالقلب منه يناور وعينه الاساس في جنيف ،متسلحا بأوراق في غير عاصمة ومكان وليس غريبا ان لا نراه متصادما بالفعل مع التطورات التي تشهدها المنطقة ,,, كفانا تضليلا، هذه حرب إمبريالية على مستوى العالم، بين قوى آفلة وقوى صاعدة، وما العرب إلا وقود.
فمن جهة تسعى الإمبريالية لمحاصرة روسيا الناهضة، وتتنافس معها على السيطرة على أوروبا التي ترضخ لمن يتحكم بحنفية النفط والغاز. وكما هي معركة مع روسيا على أوروبا، فهي معركة مع الصين على طريق الحرير الجديد.
هاتان المعركتان مرشحتان للحسم في منطقتنا وما حولها، لذلك نقول، وعلى الرغم مما قد يبدو من تراجع نسبي في الأهمية الاستراتيجية للكيان الصهيوني، فإن ما يجري في المنطقة لا يؤسس لتسويات حقيقية،(خاصه بما يتعلق بالقلب منها فلسطين) وأنما قد نرى تسويات واتفاقات اقتصادية على حدود النار بخصوص الطاقة والمياه ،بالمقابل نرى كرات النار والدم والفوضى تزداد انتشارا واتساعا، وما يعتمل في سوريا والعراق قد ينتشر الى المناطق المحيطة بأشكال مختلفة، ولا نعتقد ان احد بمعزل عن ذلك ،ونرى دورا للكيان الصهيوني ليلعبه على المكشوف مع بعض النظم العربية في خدمة الإمبريالية في حربها.
ما الموقف السليم في هذه اللحظة؟ هل نقف مع أمريكا ضد الإرهاب، أم نقف ضد التدخل الأمريكي من منطلق أن العدو الأول هو الإمبريالية؟ في الحقيقة لا هذا ولا ذاك، فالطرفان جزءان من منظومة واحدة هي منظومة الإمبريالية والتبعية والإفقار والنهب والفساد والدمار الاجتماعي.
إننا ضد الإمبريالية الإرهابية بوجهيها النيو ليبرالي والفاشي-الديني. ولكننا نقر أن ميزان القوى الداخلي في الوطن العربي بصعوبات جمه للمجابهة المباشرة لذلك نقول إن طريقنا... طريق التنمية ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية الديمقراطية الحديثة كخطوة على طريق التحرر الوطني... طريق طويل وموحش.
ولكن لا مناص من الولوج الى المفاهيم والافكار التي تؤسس له..
* الكاتب منسق التيار القومي التقدمي – قيد التأسيس