ما أشبه الليلة السورية بالبارحة الصربية
عيسى الشعيبي
جو 24 : بتنحية بعض الجوانب الهامشية من المشهدين المتماثلين إلى درجة كبيرة، ووضع عوامل اختلاف المكان والزمان جانباً، لغايات تأطير الصورتين في برواز واحد، بين ما جرت عليه الأزمة الصربية بنسختيها في كل من البوسنة وكوسوفا طوال عقد التسعينيات، وبين ما تجري عليه فصول الأزمة السورية المتفاقمة، فإنه يمكن القول بتحفظ ضئيل: ما أشبه الليلة السورية بالبارحة الصربية.
في الإطار التاريخي العام، ما كان للقوميات في الاتحاد اليوغسلافي أن تشرئب بأعناقها ولا للتطلعات العرقية أن تلقي مناخاتها المواتية، إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط حائط برلين، وبدء موجة كاسحة من التحولات في عموم أوروبا الشرقية، تماما على نحو ما انفجرت عليه الاحتقانات السورية المتراكمة، وعلت في إثره الأصوات المنادية بالحرية والكرامة، وصولاً إلى مطلب إسقاط النظام البوليسي، وذلك كله بعد اندلاع الربيع العربي.
وفي الحالتين أيضاً، بدت يوغسلافيا في حينه كحالة استثنائية وحيدة على القاعدة الأوروبية في عصر ما بعد انتهاء الحرب الباردة، تنتمي إلى عالم انهار عمود الوسط في خيمته الواسعة، غير أن القومية الصربية المهيمنة راحت رغم ذلك تحاول التشبث بماضٍ مضى إلى غير رجعة، تقارف أبشع الجرائم بحق قوميات أخذت تشق عصا الطاعة، فيما بدا النظام السوري الموصوم بشبهة طائفية، يتنقب لاحقاً الدروب الصربية ذاتها، بطشاً وترويعاً لأكثرية سكانية عبرت حاجز الخوف، وتماهت مع الحالة العربية الجديدة.
وكما وقفت روسيا قبل نحو عقدين إلى جانب صربيا داخل مجلس الأمن وخارجه، متجاهلة سلسلة متواصلة من المذابح الشنيعة والجرائم بحق شعوب تطالب بالاستقلال والحرية، عادت الدولة الكبيرة ذاتها إلى الموقف نفسه تنافح عن نظام أقلية مذهبية متحكمة بمفاتيح سلطة غاشمة وفاسدة، دون أدنى التفاتة إلى مطالب السوريين العادلة في التغيير، ولا إلى معاناتهم الرهيبة، حيث مضت إلى ما هو أبعد من تقديم الغطاء السياسي والدرع الدبلوماسي للنظام المتوحش، بتأمين الإمدادات العسكرية والخدمات اللوجستية.
بالعودة إلى الصورتين، يمكن لكل ذي عين، أن يمر بناظريه على مشاهد تكاد تكون طبق الأصل، من تهجير وتطهير ونهب واغتصاب وحرق منازل، وتغييب قسري، ومسالخ بشرية، ومدافع تدك الأحياء وأرض محروقة، ومليشيات فاجرة لا كابح لها، وأجهزة أمنية فظة، وفوق ذلك كله طغمة عسكرية أمنية تلطخت أيديها بدماء بريئة، الأمر الذي بدا معه حي بابا عمرو الحمصي وكأنه ينسخ سيربنتشا البوسنية، ومدينة إدلب الشمالية تحاكي برشتينا الكوسوفية.
وعلى نحو ما انتهت إليه الأزمة الصربية من معالجات جراحية قاسية خارج مجلس الأمن الدولي، يبدو أن بشار الأسد يحث خطاه على طريق سلوبودان ميلوسفيتش ذاتها، لمواجهة المصير البائس نفسه في يوم قد لا يكون بعيداً، عندما يفقد العالم صبره، وتنضج ثمرة التدخل الخارجي التي ما تزال فجة، ويغسل كوفي أنان يديه معلناً عجز بعثته عن وقف حمام الدم.
بكلام آخر، فإن المنطق الداخلي المغلق على ذاته للأزمة الصربية، أرسى حجارة الأساس لبنية تدخل دولي كانت مداميكه ترتفع مع مرور الوقت، وأملى في نهاية المطاف نفسه على أوروبا التي غضت البصر كثيرا، فتقدمت خلف الولايات المتحدة بعد تردد قصير، وشنت مع القطب الأوحد حربا من الجو، أفضت إلى تفكيك ما تبقى من الاتحاد اليوغسلافي، وجر قادته إلى محكمة لاهاي، وهو مسار نحسب سورية أخذت بمنطق أزمتها المغلق تدور، في المدار الصربي ذاته.
الغد
في الإطار التاريخي العام، ما كان للقوميات في الاتحاد اليوغسلافي أن تشرئب بأعناقها ولا للتطلعات العرقية أن تلقي مناخاتها المواتية، إلا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط حائط برلين، وبدء موجة كاسحة من التحولات في عموم أوروبا الشرقية، تماما على نحو ما انفجرت عليه الاحتقانات السورية المتراكمة، وعلت في إثره الأصوات المنادية بالحرية والكرامة، وصولاً إلى مطلب إسقاط النظام البوليسي، وذلك كله بعد اندلاع الربيع العربي.
وفي الحالتين أيضاً، بدت يوغسلافيا في حينه كحالة استثنائية وحيدة على القاعدة الأوروبية في عصر ما بعد انتهاء الحرب الباردة، تنتمي إلى عالم انهار عمود الوسط في خيمته الواسعة، غير أن القومية الصربية المهيمنة راحت رغم ذلك تحاول التشبث بماضٍ مضى إلى غير رجعة، تقارف أبشع الجرائم بحق قوميات أخذت تشق عصا الطاعة، فيما بدا النظام السوري الموصوم بشبهة طائفية، يتنقب لاحقاً الدروب الصربية ذاتها، بطشاً وترويعاً لأكثرية سكانية عبرت حاجز الخوف، وتماهت مع الحالة العربية الجديدة.
وكما وقفت روسيا قبل نحو عقدين إلى جانب صربيا داخل مجلس الأمن وخارجه، متجاهلة سلسلة متواصلة من المذابح الشنيعة والجرائم بحق شعوب تطالب بالاستقلال والحرية، عادت الدولة الكبيرة ذاتها إلى الموقف نفسه تنافح عن نظام أقلية مذهبية متحكمة بمفاتيح سلطة غاشمة وفاسدة، دون أدنى التفاتة إلى مطالب السوريين العادلة في التغيير، ولا إلى معاناتهم الرهيبة، حيث مضت إلى ما هو أبعد من تقديم الغطاء السياسي والدرع الدبلوماسي للنظام المتوحش، بتأمين الإمدادات العسكرية والخدمات اللوجستية.
بالعودة إلى الصورتين، يمكن لكل ذي عين، أن يمر بناظريه على مشاهد تكاد تكون طبق الأصل، من تهجير وتطهير ونهب واغتصاب وحرق منازل، وتغييب قسري، ومسالخ بشرية، ومدافع تدك الأحياء وأرض محروقة، ومليشيات فاجرة لا كابح لها، وأجهزة أمنية فظة، وفوق ذلك كله طغمة عسكرية أمنية تلطخت أيديها بدماء بريئة، الأمر الذي بدا معه حي بابا عمرو الحمصي وكأنه ينسخ سيربنتشا البوسنية، ومدينة إدلب الشمالية تحاكي برشتينا الكوسوفية.
وعلى نحو ما انتهت إليه الأزمة الصربية من معالجات جراحية قاسية خارج مجلس الأمن الدولي، يبدو أن بشار الأسد يحث خطاه على طريق سلوبودان ميلوسفيتش ذاتها، لمواجهة المصير البائس نفسه في يوم قد لا يكون بعيداً، عندما يفقد العالم صبره، وتنضج ثمرة التدخل الخارجي التي ما تزال فجة، ويغسل كوفي أنان يديه معلناً عجز بعثته عن وقف حمام الدم.
بكلام آخر، فإن المنطق الداخلي المغلق على ذاته للأزمة الصربية، أرسى حجارة الأساس لبنية تدخل دولي كانت مداميكه ترتفع مع مرور الوقت، وأملى في نهاية المطاف نفسه على أوروبا التي غضت البصر كثيرا، فتقدمت خلف الولايات المتحدة بعد تردد قصير، وشنت مع القطب الأوحد حربا من الجو، أفضت إلى تفكيك ما تبقى من الاتحاد اليوغسلافي، وجر قادته إلى محكمة لاهاي، وهو مسار نحسب سورية أخذت بمنطق أزمتها المغلق تدور، في المدار الصربي ذاته.
الغد