jo24_banner
jo24_banner

الربيع العربي وإشكالية التدخل الخارجي

عيسى الشعيبي
جو 24 : كثيراً ما يجد المثقفون الوطنيون والديمقراطيون أنفسهم في ورطة أخلاقية وهم يتلون بيانهم الملتبس حيال ثورات الربيع العربي؛ هذه التي انتهى بعضها بوصول بعض القوى الأصولية إلى سدة الحكم، كحال مصر وتونس، وبعضها الآخر إلى فوضى غير خلاقة باعثة على خيبة الأمل كليبيا، فيما انزلق بعضها الثالث -كما هو الحال في سورية- إلى حرب أهلية ذات منحى طائفي، قد تفتح فتنة مذهبية تطال رقعة أوسع نطاقاً من حدود الجغرافيا السورية.
فقد أظهرت الأحزاب التقدمية والقوى الديمقراطية، في بدايات هذا الربيع المديد، انحيازاً تاماً لحركات الإصلاح والتغيير في سعيها إلى إنهاء الأنظمة الاستبدادية الفاسدة. إلا أن الإخفاقات المبكرة لأنظمة الحكم الجديدة، ناهيك عن تحول الربيع السوري إلى ما يشبه طاحونة موت متنقلة، واكتساب المشهد الدامي صفة حرب إقليمية، أدت إلى خلق ما نسميه ورطة أخلاقية لكل منافح عن الحراك السلمي، المؤيد للتغيير والتداول السلمي للسلطة، وأفسد عليه سلامه الداخلي، وأوقعه في بحر الشك والحيرة.
وزاد من فداحة هذه الورطة أن الجماعات الثقافية في العالم العربي تناهض بالفطرة، وعلى طول الخط المستقيم، أي تدخلات خارجية في الشؤون الداخلية العربية، خصوصاً إذا ما أتت من جانب عواصم غربية داعمة لإسرائيل، وذات إرث استعماري في بلادنا. الأمر الذي فاقم من غور هذه الإشكالية لدى قوى سياسية ونخب فكرية تناضل طوال عمرها من أجل الحرية والديمقراطية والمواطنة والعدالة والكرامة الإنسانية.
وإذا كان الأمر قد مر بالحد الادنى من التوافق العام، في المواقف الفكرية ووجهات النظر بين القوى الديمقراطية والليبرالية، حيال ثورات مصر وتونس واليمن، فقد انفرط هذا التوافق إزاء التدخل الخارجي في ليبيا، وظهرت الفوارق بين من أدانوا هذا التدخل حتى ضد طاغية موصوف مثل معمر القذافي، وبين من تسامحوا بهذا القدر أو ذاك حيال تدخل جوي أدى إلى وقف مذبحة كبرى ضد الليبيين، بدون إبداء أي تنازل عن الموقف المبدئي ضد كل تدخل غربي بالقوة العسكرية، أياً كانت الذريعة.
غير أنه عندما انطلقت ثورة الكرامة والحرية في سورية، بلغ الانشقاق الداخلي بين القوى الديمقراطية والمثقفين مبلغه. وفيما انحازت أوساط واسعة من هؤلاء المسكونين بهاجس أصيل ضد التدخل الخارجي إلى نظام الأسد، حتى قبل أن تتحول الثورة المدنية إلى تمرد شعبي مسلح، وقفت قوى ديمقراطية ونخب فكرية وازنة إلى جانب هذه الثورة، باعتبارها انتفاضة شعبية عارمة ضد الاستبداد والفساد بأبشع صوره، وذلك رغم كل ما تراه بالعين المجردة من تطرف ومشاهد سلبية مقلقة، وانقسامات في صفوف الثورة، أحسب أنها في مقام الاستثناء على القاعدة.
على أن الإشكالية الكبرى على هذا الصعيد، تتمثل الآن في شقاء وعي موقف المثقفين الديمقراطيين بأن الاستعصاء الراهن في الثورة السورية، بات فوق قدرة الثوار بمفردهم على إنجاز أهداف الثورة، خصوصاً بعد أن تدخلت قوى إقليمية ودولية على الخط بصورة علنية، وراحت تمد الدكتاتور المتوحش بالمال والسلاح والرجال ضد حركة شعبية أصيلة، شاب وجهها التطرف، ودخلت عليها مظاهر عنف مثيرة لقلق مؤيديها ومخاوف العواصم الغربية، القادرة وحدها على رفد الجيش الحر والمقاتلين المتطوعين بالسلاح النوعي المعادل لطوفان الأسلحة الإيرانية والروسية.
خلاصة القول، أنه إذا لم يكن في وسع أعظم القوى الخارجية إحداث ثورة داخلية في أي بلد من بلاد العالم، فإنه لم يعد اليوم في وسع أي ثورة بالمقابل تحقيق الانتصار بدون دعم خارجي، منذ الثورة الجزائرية التي وقف في ظهرها جمال عبدالناصر، إلى الثورة الفيتنامية التي ناصرها الاتحاد السوفيتي والصين، إلى غيرها من الثورات الأخرى، مثل الثورة الفلسطينية التي استقطبت المال والثوار من أربع جهات الأرض، فما بالنا نستكثر على الثورة السورية تلقي دعم خارجي مماثل، وإن كان ذلك من لدن الغرب الذي سبق له أن حسم الثورة الاستقلالية في البوسنة وكوسوفو، تحت راية الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية. (الغد)
issa.alshuibi@alghad.jo
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير