jo24_banner
jo24_banner

من الحكومة المقالة إلى الرئيس المعزول

عيسى الشعيبي
جو 24 : إذا كان للزلزال السياسي المصري ارتدادات قوية في المحيط العربي الواسع، نظراً لمركزية القاهرة ودورها التاريخي المقرر في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، فإن ارتداداته اللاحقة في فلسطين عموماً، وفي قطاع غزة على وجه الخصوص، هي أشد هذه التوابع قوّة، لاسيما في الآونة التي بدا فيها حكم الجماعة الأم في أرض الكنانة بمثابة الرافعة السياسية الكبرى لسلطة الأمر الواقع في القطاع الغاص بالبؤس والسلاح والأنفاق.
وإذا كانت أيضاً صدمة فروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين بخسارة سدّة الحكم في مصر، صدمة قاسية، وفق ما بدت عليه ردود الأفعال العصبية الغاضبة هنا وهناك؛ فإنها في قطاع غزة بدت أكثر من حالة صدمة، وأشد عمقاً من مجرد خسارة يمكن احتواؤها بسهولة والتكيّف مع مضاعفاتها بأريحية، حيث عادة ما تتولى دكتاتورية الجغرافيا فرض منطقها بقسوة، تماماً على نحو ما بدت عليه الإمارة التي عقدت كل رهاناتها على نظام إخوانها الكبار في جبل المقطم.
والحق أن حركة حماس، التي أطلقت الرصاص في الهواء، ووزعت الحلوى على المارين في شوارع غزة، غداة نجاح محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية قبل نحو سنة، ليست في وضع حركة النهضة في تونس مثلاً، كي تداري طويلاً على خيبة الأمل، وتتستر كثيراً على انقصاف رجائها إزاء سقوط حكم الجماعة الأم في عقر دارها. فالمسألة في غزة أفدح من ارتكاسة للفكرة، وأخطر من اهتزاز في الصورة.
لذلك، فإن حالة الذهول التي اصابت القطاع الذي عاد إلى سيرته الأولى، محاصراً معزولاً، قابلة للفهم ومبررة تماماً. فقد كانت قاهرة المعز في عهد محمد مرسي بيتاً للحركة المتحكمة بأقدار غزة، وكان قادتها ضيوفاً دائمين على مكتب الإرشاد وقصر الاتحادية والإعلام الرسمي؛ يصولون ويجولون من غير إبداء الحساسية اللازمة حيال القوى المدنية المعارضة التي ظلت تتهم "حماس" باقتحام سجن وادي النطرون خلال ثورة 25 يناير.
غير أن ما لا يمكن فهمه أو تقبله، أن تأخذ الحركة الإسلامية في القطاع الموصول بحبل السرّة مع الخارج، عبر معبر رفح، موقفاً منحازاً على رؤوس الأشهاد إلى جانب "الجماعة" التي دالت دولتها ولم يبق لوجودها العلني سوى ساحة مسجد رابعة العدوية؛ وأن تستفز مشاعر ملايين المصريين، ومعهم قوى الأمن والجيش والإعلام والقضاء، بحملة تهييج عبر الفضائيات التابعة لها، وكأن الحركة التي توقفت عن المقاومة قد شرعت في حرب ضد الثورة المصرية المتجددة، وانساقت بعيداً في الرهان الخاسر على اعادة مرسي إلى "الاتحادية".
ففي مقابل الإجماع الفلسطيني على موقف النأي بالنفس عن الأزمة في مصر وغيرها من الأزمات العربية، بدون إخفاء مشاعر الابتهاج بسقوط حكم "الإخوان"، غامرت "حماس" التي كان عليها أن تعد للعشرة، ثم تعيد العد مرة أخرى، وأن تصمت قليلا قبل أن تنزلق الى شبهة معاداة الدولة التي تشكل رئة التنفس الوحيدة للقطاع المحاصر، وأن تتجنب استدرار مزيد من الغضب والكراهية، ليس إزاء الحركة المستخفة بمسؤولياتها عن حياة نحو 1.7 مليون نسمة، وإنما إزاء الشعب الفلسطيني كله.
وهكذا، يبدو أن القوقعة السياسية التي تعيشها الحكومة المقالة في غزة، وعقلية السجين التي تتلبسها، هما اللتان أملتا عليها التماثل مع الرئيس المصري المعزول، والانتصار لحاله التي تشبه حالتها؛ حيث يرزح أحدهما في سجن صغير، والآخر في سجن واسع، يتبادلان آلام الفقد والخذلان عن بعد، ويتعلقان بقشة للنجاة من هذا المآل الذي عصف بهما عصفاً شديداً، لافتقار كليهما إلى القدرة على النظر أبعد من أنفه، ورؤية الواقع كما هو.
تبقى ضرورة التذكير بأن ما حدث أثناء الانقلاب الدموي في غزة قبل سبع سنوات، بما في ذلك إلقاء المواطنين من على أسطح الأبراج السكنية، يحدث الآن في "المحروسة" على نحو بانورامي واسع، وتحت أضواء عدسات الهواتف المحمولة، مع فارق أن في مصر جيشاً قوياً، وإعلاماً نافذاً، وقوى مدنية أعظم من أن يتم قمعها بسهولة تحت زعم الدفاع عن خط المقاومة.
issa.alshuibi@alghad.jo
(الغد)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير