jo24_banner
jo24_banner

موازنة الدولة.. "ولادة من الخاصرة"

د. حسين بني هاني
جو 24 :
مخاض سنوي متعب ،تلك هي مشكلة موازنة الدولة الاردنية المزمنة ، يشفق فيها العقلاء على معاناة المجلسين ازاءها حكومة ونواب ، فيما لاينسى احد معهم وجع الأردنيين وبؤس حالهم الاقتصادي ، فكل رقم فيها اصبح مشكلة بحد ذاته يستعصي حله على الطرفين ، يحارون كيف يتم تذليلها ، لكن هذا لا يعني التنكر لمعاناة الشعب رغم ان ولادتها في العادة هي ولادة قيصرية ومؤلمة.

مخاض -سادتي القرّاء- يأتي هذه المرة ، في ظل تهديد سيد البيت الأبيض بقطع المساعدات عن الاردن، لكي يجعل الولادة عسيرة اكثر ومن الخاصرة ايضا. اما انا فإن إشفاقي معهم هو بذات المقدار، ولكن ليس على الثلاثة الوارد ذكرهم، وإنما على ساكن ذلك البيت، الذي يجهل أن الفقر صديق الأردنيين ورفيق دربهم، جاورهم وتعايش معهم سنين طويلة ، منذ تأسيس الدولة وحتى الْيَوْمَ ، وما نال منهم ، ولا فت في عزيمتهم ، ولا غير ولائهم أو قناعتهم بهذا الوطن.

ذاك ما دفعني ، بل ذاك فقط ، لدعوة الرئيس ترمب ،كي يسأل اسلافه ، ماذا حل بالأردنيين ذات خريف سياسي ، يوم كانت بوارج سلفه، بعد حرب الخليج الاولى ، تجوب المرافئ ، تفتش قمحنا القادم من اعماق البحر ، حبة حبة ، يومها قال لهم راحلنا الكبير مهلا علينا ولكننا لن نركع، رغم ظلم ذوي القربى ، يومها صلى معه الاردنيون جميعا صلاة موحد ، ركعتين شكرًا لله ، ان انعم علينا حكمة الصبر ، وقوى بيننا اللحمة الوطنية ، يومها تجاوزنا كما لاتعلم أيها الرئيس ، ذلك البحر العميق الذي تُركنا به وحدنا، فيما غرق فيه غيرنا ولا زالوا يغرقون.

يومها عبرنا الشط أيها الرئيس مع قائدنا، ولكن على "مودنا" نحن الأردنيين، وليس على هواك انت او هوى اسلافك، ولا حتى وفق أشرعة بعض العابثين بسفينة الوطن، يومها كتب الاردنيون اسم بلادهم على الشمس التي لا تغيب، وعلى هاماتهم كرامة وطن ، بناه الأوائل منا بعرقهم وجهدهم ، رغم شُح الموارد وضيق الحال .

مناسبة هذا الحديث، هو ما نقل عن لسان وزير المالية مؤخرا، تحذيره من مغبة انعكاس التصعيد الشعبي الأردني، مع الولايات المتحدة سلبا على الموازنة، هنا أقول للوزير ان الناس تختلف عادة مع الحكومة على أشياء كثيرة، هذا ديدن السياسة، ولكنهم لا يختلفون أبدا على مصالح الوطن، هم يعرفون ان أزمة الوطن الاقتصادية قد بلغت الحلقوم، ولكنهم يعرفون ايضا ان للكرامة ثمن يجب ان يدفع، وهم مستعدون اليه، وسبق ان قدموا مثله، تلك عودة الى تاريخ غير بعيد كان لا بد منها، لتذكير وزير ماليتنا الذي خانه الظن بالأردنيين، حين حذّر بأن التصعيد الأردني الشعبي، مع واشنطن ينطوي على "تسرع ومجازفات"، نعم لقد خانه الظن فعلا حين قال ذلك، وغاب عنه ان تبادل المصالح، هي جزء من لعبة السياسة، بل غاب عنه ان واشنطن تدرك وفق اجندتها في المنطقة ، قيمة الاْردن الجيوسياسية، خاصة في ظل سياسة المحاور الإقليمية ، لا بل هي تعرف اكثر من غيرها ، انها طرف مستفيد من هذه العلاقة ، وإلا لما استمرت بها طوال عقود كثيرة، خاصة وأنها الطرف الاقوى ، هذا امر يدركه صانع السياسة ، وتعجز عن ادراكه بوصلة المال .

ما نقل - سادتي القرّاء - عن وزير ماليتنا ، هو للاسف وفق وصف الأردنيين ، حساب قرايا ، اما حساب السرايا فيكمن في تلاحم الشعب مع الوطن والقائد ، هناك وهناك فقط ،تصبح السياسة هي الفعل الذي يجلب المال نيابة عنه ، طبعا لايحدث هذا أبدا الا حين يمتطي صهوة السياسة ، رجال يعرفون كيف ومن أين تؤكل الكتف.
 
تابعو الأردن 24 على google news