jo24_banner
jo24_banner

صفحات دامية من كتب الارهاب

د. حسين بني هاني
جو 24 :
فيض من الكلام والتلاوم والتحليل يتدفق، عند كل عملية ارهابية يقترفها الموتورون والظلاميون ، قليل منه( اي الكلام) ذاك الذي لامس بذور المشكلة، أو قدم بعض الحل لها. ذاك هو شأن المنظرين الذين يضيفون على الكلام زينة اللغة، كي يتجنبوا وضع الحصان امام العربة، أو وضع اليد على وجع الأمة الموروث منذ قرون، مما تفيض به ما سميت بكتب التاريخ الاسلامي، خاصة تلك التي غدا بعضها قبلة المتطرفين بعد ان اكتسبت لديهم صفة القداسة وأصبحت توازي قداسة الدين، رغم ان بعض مافي بطونها ،ينال من مسلمات فقهية واضحة في كتاب الله نفسه، يسهل الوصول اليها أصلا دون الاستعانة بصديق .

مؤسف ان بعض هؤلاء المتطرفين، لا يعتمدون في معارفهم الدينية، الا على اجتهاد من موروث اسود مشكوك في روايته، ولا يقرأون فيه الا الصفحات الدامية ،الحافلة بالسرايا والسبايا، لايجرؤ احد على مناقشة معطياته التاريخية، وما اذا كان فيه مقدار كبير من الصحة وصدق البيان، قياساً بما امرنا الله به، رغم ان بعض ما فيه يسيء للدين أحياناً، خاصة وانه يدور في الغالب ،حول اجتهاد فكري من بشر مثلنا قرأ النص وفسره حسب فهمه له. أنا لا اقول انهم أخطأوا، ولكني استكثر ان يبقى ذلك الفهم حكرا على من اجتهدوا سابقا، ومحرماً علينا وعلى عقلائنا الْيَوْمَ، الذين لا أشك ان لديهم قدرة على تقديم إضافات نوعية، وبوسعهم اثراء موروثنا بل والزيادة عليه، وبما يعزز ثقتنا بديننا ،ويتوافق مع معطيات العصر.

من قال مثلاً ان عبادات البشر، والتقرب الى الله، هي من مسؤوليات المجتهدين والمفسرين، يتولونها نيابة عن الله في الارض؟ ومن نصبهم وكلاء عن الله يحللون ويحرمون ويحاسبون الناس ويقتلونهم بغير حق، ونبيّنا عليه السلام يقول ، لا اسألكم عليه من أجر ، ان أجري الا على الله، وكيف نقبل الْيَوْمَ نحن معشر المسلمين من بعض كتبة السلطان في تلكم الأيام، أولئك الذين دبجوا الملاحم والمعلقات الفقهية، لتعظيم سطوة الحكام وجبروتهم، وإسباغ الهالة الدينية على سلوكهم السياسي، وشرعنوا وبرروا خلاعة بعضهم، تحت يافطة حماية الدين، وعدم الخروج على طاعة ولي الامر، حتى لو كان فاسداً، رغم ان الله امرنا في كتابه العزيز، بالوقوف ضد الفاسدين ومكافحة افعالهم ، ناهيك عن وصف الشريعة بان من اعظم الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر.

هؤلاء هم الذين زينت لهم كتب التاريخ، فظاعة ما ارتكب بحق الدين والمسلمين أيضا، وهم من يعنينا امرهم، وهم من يجب ان يتوجه الخطاب العاقل لهم، لتصحيح ماعلق في اذهانهم من خرافات، وعلى سدنة بيت التربية والتعليم، ان يراعوا الله في مناهج كتب التاريخ الاسلامي، وان يظهروا فيها الغث من السمين، كي لا نبقى اسرى خرافات تقتحم عقول ابنائنا بغير حق، وتستبيح افكارهم في عصر لم تعد المعلومة القديمة فيه تقنع احدا، غير أولئك الظلاميين الذين لا زالت تغطي رؤوسهم غشاوة، وغدوا بحاجة الى جرعة ثقافية جديدة، تنوّر دربهم، وتخرجهم من الظلمات الى نور الاسلام العظيم ، بعيداً عمّا حفلت به كتب التاريخ الحافلة بالخرافات التي أخذت تنال من وسطية ديننا الحنيف، الذي تفيض منه عناية الله بخلقه وحقوق الناس وحماية ارواحهم، ولا ادري لماذا لا نبرز في كتبنا المدرسية مثلا، قول الله تعالى في سورة البقرة "ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر، وعمل صالحاً، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون".

ولماذا أيضاً، لاتفرد وسائل اعلامنا الوطنية، مساحة كافية للمتنورين لكي يقدموا لنا اضافة نوعية، قوامها الدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنه عِوَض ثقافة السيف، والمجادلة بالتي هي أحسن، وكما امرنا ربنا بصحيح دينه، وليس كما كتبه بعض غلاة المتطرفين، الذين ضاق بهم النص الديني السمح ، وكتبوا ما اثلج صدر سلطان زمانهم، كي ينعموا ويبقوا ضمن سدنة البيت السياسي الذي كان يحضنهم ويرعاهم.

كفانا حوماً حول المشكلة، ومداراة أولئك الذين لا زالوا يتمسكون بأهداب من اجتهدوا قبلنا من الرعيل الاول، وكأن علوم الدين قد اختتمت بموتهم، حتى لا يبقى يقال عن تاريخنا، بأنه سيرة اموات يتحكمون بالأحياء، خاصة لدى أولئك الذين لازالوا يعتبرون التمسك بالتراث، مهما كان مضمونه ضرورة لا بد منها، لحماية الدين، متناسين ان الله جلت قدرته قد تكفل بحمايته نيابة عنا، وأوصل إلينا كتابه العزيز سالماً معافى من كل اضافة أو تحريف، وقال لنا جميعاً "انا نحن نزلنا الذِّكْر وانا له لحافظون"، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
تابعو الأردن 24 على google news