"ربيع طهران".. محاولة للفهم
د. حسين بني هاني
جو 24 :
هتافات صاخبة فاضت بها الحناجر في طهران، سُمعت كل مفرداتها في بغداد، غشيم سياسة من يقلل من وقع هذه الاحتجاجات على ملالي ايران، وقصير نظر من يتصور أن الفقر والبطالة هما المحرك الوحيد لهذه الاضطرابات.
كسر المحتجون -في عرف ولاية الفقيه- كل المحرمات عندما مجدوا الشاه، وهتفوا باسقاط قامة مقدسه مثل خامنئي، مثل هذا الهتاف اقلق بعض المرجعيات المؤيدة لإيران في العالم العربي، بل وحتى وسائل اعلامهم.
لم ينسَ المحتجون تبجحات حسن نصرالله، حين قال ان "كل رواتب وصواريخ ومصاريف حزب الله مصدرها ايران"، بل ضاقوا ذرعا بها، فرفعوا شعار لا غزة ولا لبنان.
أشعرهم نصرالله أن أموالهم تذهب سدىً لدعم مشاريع لاعلاقة لهم بها، ناهيك عن تلك التي تنفق من جيوب فقرائه بلا حدود في كل من سوريا واليمن.
ضاق بهم الحال، فاستكثروا ان يذهب مرشدهم، رئيس تشخيص مصلحة النظام للعلاج في لندن، بينما -بالضحك على اللحى- ينصحهم الملالي بمداواة مرضاهم بطلب الشفاء من ضريح الإمامين الرضا والحسين .
حوزة ايران السياسية ، قلقة من سفارة ترمب في بغداد، وتشك انها تحرك الأحداث عن بعد، مايقلقها اكثر عجز حكومة العراق عن صدها، لان طهران تعرف ان قوات ترمب الخاصة لا زالت تتجول في أنحاء العراق، وتترصد نفوذها في كل من العراق وسوريا، بحجة ملاحقة فلول داعش.
لم تصدّر ايران الثورة، ولكنها نجحت في تصدير غرائزها المذهبية، واستوردت عوضا عنها الفقر والبؤس والجوع لشعبها، وهي تواصل تعزيز هذا الجوع بذات الغرائز في كل من سوريا والعراق واليمن.
أكثر مايقلق ايران الْيَوْمَ، هو خاصرتها الكردية، مسعود البرزاني المكلوم، لم ينسَ بعد دور ايران في تحطيم حلمه بالدولة، وتعرف ان فرصة الأكراد للانتقام منها قد حانت، فهم لم يعد لديهم مايخسروه بعد ان أدمنوا الفشل، ولَم يبقى لهم حلفاء غير اسرائيل بعد ان تخلت واشنطن عنهم.
هنا طبعاً مربط فرس الأزمة الحالية لدى قادة طهران، والتغير الجديد المقلق بالنسبة لهم، لان أبواب ايران باتت مشرّعة عند الخاصرة الكردية، وتعلم ايران ان الفرصة غدت مؤاتية لكرد العراق لرد الصاع صاعين بالتعاون مع اسرائيل، خاصة وان اكثر المدن الثائرة تقع على حواف إقليمهم.
بعد حوالي أربعين عاما على ثورة الخميني، لم يدرك أسلافه أن غالبية الإيرانيين قوميون بالفطرة اكثر مما هم دينيون، مثلهم مثل بقية الامم يحبون الحرية والدولة المدنية، وهو الامر الذي لا زال رجال الدين يهمشونه بصورة تامة.
ما يجري الْيَوْمَ هو اختبار اجتماعي سياسي جديد شبيه بذاك الذي اطاح بالشاه، وسيجعل نفق السياسة الإيرانية، مفتوحا على كل الاحتمالات ما لم يتخلى المتشددون عن طموحاتهم الإقليمية ونزعتهم الطائفية.
آن الأوان لهم أن يعلموا أن خطابهم الديني الطائفي قد فقد الكثير من مسوغاته، وشاخت مكانته العقائدية والثقافية عند الشعوب الإيرانية ، وغدا لا يلقى آذاناً صاغية في مجتمع يئن تحت سياط الفقر الذي دعا أمامهم علي كرم الله وجهه لقتله لو كان رجلاً.