الفرصة الضائعة في العراق
د. حسين بني هاني
جو 24 :
فرصة تاريخية ثمينة ، تلك التي يمتلكها رئيس الوزراء العراقي الْيَوْمَ ، عشية اقتراب موعد الانتخابات القادمة، لرأب صدع العراق السياسي المزمن ، بعد قضائه على خلافة داعش المزعومة ، فقد نفض بالقضاء عليها ، الغبار العسكرية عن جسم العراق او كاد ، ولكنه لم يخلّص صورة حزبه " حزب الدعوة " ، من ابوّة نوري المالكي ، الذي يصرّ على ضرورة بقاء طائفية الحزب في الانتخابات القادمة .
مزهواً بالنصر الجزئي الذي حققه ، يسعى العبادي فيما يبدو لكي تكون انتخابات أيار القادم ، مرحلة جديدة عابرة للطوائف ، لإعادة اللُحمة الوطنية ، ولكنه يعرف جيدا حجم الضغط الإيراني الذي سيولده جموح المالكي للعودة الى كرسي الرئاسة بدعم من طهران ، تلك العاصمة التي لا يعجبها أصلاً توجه العبادي لفتح البوابة السعودية والأمريكية وربما حتى الاردنية ، تجاه العرق .
لم ينسَ المالكي بعد ، تقرير مجلس النواب عام ٢٠١٥ ، الذي حمّله وزر داعش ، وسيطرتها على الموصل ، وهو يريد ان يرد الصّاع صاعين ، مستثمراً هذه المرة ورقة غياب الثقل السني المفترض ، عن الانتخابات القادمة ، إما لان الناخبين لازالوا يعيشون حالة النزوح ، في كل من الموصل والرمادي وغيرها ، او لان سنة العراق قد فقدوا الثقة بالعملية السياسية ، بسبب شعورهم بالتهميش والاستهداف، غير متحمسين لتلك الانتخابات .
داعش انتهت تقريباً في العراق عسكرياً ، او اوشكت ، ولكنها لازالت موجودة فكريا بين المهمشين السنة ، هذا سيجعل قضيتهم تتواصل مذهبياً ، مالم يتجاوز حزب الدعوة عقدة التيار المالكي داخل الحزب ، الداعي أصلاً لتمتين الجسم الشيعي في الانتخابات القادمة ، خاصة بعد ان سبق ونسب اليه انه " شيعيٌ اولا ثم عراقي " .
مثل هذا الفهم ، سوف يصعّب الامر على العبادي ، مالم يتدخل تيار الحكمة ويتغير خطاب الحزب نحو الأفضل ، عقلاء هذا الحزب ، بإمكانهم الْيَوْمَ ان يقولوا لسنة العراق ، لابأس ان يكون لديكم خلاف سياسي مع ايران والشيعة ، ذلك امر مقبول في لعبة السياسة ، ولكن لاينبغي لذلك الخلاف ان يدفعكم بالضرورةللارتماء في احضان داعش .
هذه مسألة يمكن ان تشكل بداية لا بأس بها ، للمصالحة الوطنية ، لان نجاح العبادي في تشكيل تيار عريض عابر للطائفية ، من شأنه ان يغير معادلة الحكم في العراق نحو الأفضل ، بعيدا عن قاعدة المحاصصة التي وفرت للمتطرفين موضع قدم في العراق عام ٢٠١٤ .
العراق الْيَوْمَ يقف بعد داعش ، على مفترق طرق بين الاستقرار ، والتقدم نحو المشروع الوطني الواعد ، لكن المقلق في الامر ان موقع العبادي في رئاسة الحكومة ، لم يغيّر مكانته داخل البيت الشيعي الحزبي ، هذا وحده سيجعل مشروعه الوطني نحو الانتخابات العابرة للطوائف ضعيفاً الى حدٍ كبير .
ولاء الحشد الشعبي لتوجه العبادي الجديد ، قد يبدو للوهلة الاولى انه لصالحه ، لكن وجهه الآخر ربما يشكل قيداً سيصعّب عليه فك حلقاته ، لسبب بسيط هو ان مفتاح ذلك القيد سيبقى في يد من أسس وشكل ذلك الحشد ، ولا زال يديره وفق أسسه الطائفية.