2024-12-23 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عودة الى ابن خلدون

يوسف غيشان
جو 24 :

قبل سنين أصدرت كتابا ساخرا يحمل عنوان (مؤخرة ابن خلدون)، وكان العنوان صادما للبعض، لأنهم تعاملوا مع العنوان حسب نيّاتهم وقد زعمت في مقدمة الكتاب-على سبيل النغاشة- بأنني أملك النسخة الوحيدة المتبقية من كتاب «مؤخرة ابن خلدون»وبأنها تزيد عن مقدمته أهمية وحجما وفعالية.

الطريف في الأمر هو أن باحثا تونسيا – نسيت اسمه الآن- بعث لى رسالة على البريد الإلكتروني، يتمنى علي أن أرسل له نسخة من مخطوط (المؤخرة) لأنه – كما قال- يمتلك كل ما كتبه ابن خلدون، وكل ما كتب عنه بجميع اللغات ، لكنه لم يحصل على هذا المخطوط قط، فأرسلت له رسالة اعتذرت منه بأني من ابتكر هذا العنوان ، وليس هناك اي مخطوط بهذا الاسم، ولا اعرف إذا صدقني الرجل أم لا.

ادعيت في مقدمة كتابي السابق صاحب عنوان هذا المقال ، أن ابن خلدون كتب هذه المؤخرة تكفيرا وتصليحا للأخطاء المنهجية القاتلة التي سقط فيها في مقدمته، لكن الطبقات السائدة آنذاك لم يعجبها حديث المؤخرة فقامت بإعدام جميع النسخ عدا هذه النسخة التي وصلتني أبا عن جد عن جد عن جد عن جار.

كان كتابي محاولة – ربما تكون فاشلة- في قراءة تاريخ ما بعد ابن خلدون بذات منهجية ابن خلدون،ففي واحد من فصول مقدمته عمد ابن خلدون إلى تصنيف البدو لدرجات ثلاث، حسب درجة توغلهم في الصحراء ودرجة ابتعادهم عن مستلزمات المدينة .

أقصى درجات البداوة عند الرجل، هم أولئك الذين يعتمدون على الإبل في معاشهم وتنقلهم ، يليهم أولئك البدو الذين يعتمدون على الماعز والغنم والبقر . يليهم في الصف الأخير من البداوة، أولئك البدو الذين يعتمدون في معاشهم على الزراعة.

والذي يحير ابن خلدون في مؤخرته، هو كيف تمكن الأعراب بعصبيتهم وعشائريتهم وشغفهم بالغزو ومحدودية تفكيرهم ... كيف تمكنوا من الاستيلاء على الراية العسكرية الإسلامية، واستولوا على رأس الهرم في السلطة السياسية عن طريق معاوية بن أبى سفيان، ثم تمكن الأعراب ذاتهم من صنع إمبراطورية عظيمة وكبيرة نقلت العالم بضع درجات حضارية إلى الأعلى، لا بل وصلوا ذات عصر إلى قمة الحضارة العالمية .

الذي( طلّع روح) ابن خلدون أن هؤلاء العربان نقلوا العالم حضاريا إلى الأعلى ، لكنهم بقوا على حالتهم الأولى ... بدؤوا يحاربون الحضارة ويصنعونها في ذات الوقت لا بل أنهم تمكنوا من إزالة منجزات حضارية سابقة ، مثل العجلة مثلا التي استخدمها الاثينيون في حروب طروادة قبل قرون عدة قبل الميلاد،، كذلك استخدمها الفراعنة والهكسوس والرومان... لكن البدو الذين أسسوا إمبراطورية لم يستخدموا العجلة لا في الحرب ولا في السلم واعتمدوا في تنقلات جيوشهم على الإبل والخيل . فلم يصنعوا الطرق المعبدة والمرصوفة ولم يبنوا مدنا غير مدن المتعة ، ولم ينشئوا المرافق العامة.

ولا تزال ملاحظة ابن خلدون في مؤخرته قائمة حتى اليوم .... إذ ما نزال حتى ساعة إعداد هذا البيان ، فئة رابعة من البدو ، ويمكن اعتبارنا متحفا تاريخيا للبداوة ( ربما لهذا السبب لم تتم إزالتنا حتى الآن).

فما يزال في دواخلنا الأعرابي الأول والثاني والثالث ، وما زلنا عربا عاربة رغما عن ارتداء الجينز وجلوسنا أمام التلفاز واستخدام الهاتف النقال .... ما نزال بدوا استهلاكيين ، ترسخت فينا مواصفات البداوة عدا الشجاعة والكرامة والإباء ... حيث فقدناها على دبيب القرون.

«أنتم» أعراب التشكن تكا والمايونيز والسان لوران» ..... هكذا قال ابن خلدون في مؤخرته.
(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير