واحدةٌ من ثلاث
الناسُ في مواجهةِ الظلم على واحدةٍ من ثلاث .. الأولى : أن يستكينوا للظالمِ و ظلمه فيقبلوا به و يَألفوه ثم يَستَمرِؤه .. وهذا الحالُ مُخالفٌ للطبيعة السَويّة للبشر .. و في هذه الحالة يزداد عليهم الظلمُ و يَستفحلُ الظالمُ بهم .. و هذا ما حدث للمُستضعفين عند فرعون مصر حيث طغى و بغى الى حدّ _ يستحيي نساءهم و يُذبّح أبناءهم _ فلا يحركون ساكناً .. حيث صدرت الارادة الفرعونية _ السامية _ بذبحِ كل طفلٍ ذكرٍ يُولد لأن الكهنةَ قالوا له _ يقضي على مُلككَ رجلٌ من هؤلاء لم يولد بعد _ و هذه الأولى مرفوضةٌ شـرعاً و كرامةً و فطرة.
أما الثانية : فهي أن يُهاجر الناس المظلومون الى مكانٍ آخر طلباً للسلامة و الحرية و العدالة .. مثلما هاجر المسلمون الى الحبشة بلادُ النجاشي الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم _ لا يُظلم عنده أحد _ حفاظاً على المبادئ و النفوس التي هي مُقدمةٌ على الأوطانِ مؤقتاً .. على نيّة العودة الى الوطن لأن حبّ الوطن من الايمان .. وهذه الثانيةُ مشروعة .. قال تعالى ( ألَم تَكُنْ أرضُ الله واسعةً فَتُهاجِروا فيها).
أما الثالثة : فهي مواجهة الظالم و مقاومة ظُلمِه بكل الوسائل السلمية المُتاحة التي شرعها الله و شرعتها القوانين الدولية .. بالقلب .. باللسـان .. بالمقال .. بالاذاعة .. بالفضائيات .. بالمسيرات .. بالاعتصامات .. باليافطات و الشعارات .. بالدعوات .. بالدعاء الى الله .. بالدعاء على الظالمين في السجود .. بفضح الفاسدين و كشف فسادهم و كل ما يخطر على البال أو يستجد من وسائل سلمية ستؤدي باذن الله الى زعزعة الظالمين و الفاسدين و زلزلة ظلمهم و استبدادهم.
و لقد حدث في التاريخ القديم و المعاصر أمثلةٌ كثيرة تدلّ على أن الله تبارك و تعالى يباركُ جهود أهل الثانية و الثالثة .. و يكرمهم و لو بعد حين بالنجاح و الخلاصِ من الظالمين .. قال تعالى ( و تِلكَ القُرى أهلكناهُم لمّا ظَلموا و جَعلنا لمَهْلِكهم موعدا ) فالذي يُسقط الأنظمة هو ظلمها و فسادُها و غيابُ العدل و انحِطاط أخلاقها .. أما موعدُ سقوطها فهو يومٌ حدّده الله تعالى و ما على النّاسِ المظلومين الا أن يستمرّوا بالمقاومة السلمية سائرينَ للقاء الموعد .. و ان كان له ارهاصاتٌ و مؤشّراتٌ تدل على قربه.
فحيهلا بني قومي ...... الى –العلياءِ- نسـتبقُ
غِذّوا السيرَ أهل الخير ..... ففيها العزّ و الألَقُ
أو الى جنّـات ربي ...... ففيها الشهدُ و العَبَـقُ