jo24_banner
jo24_banner

صراع المساجين

مروان الشمري
جو 24 :
احتل السجن مكانةً مستحقة في الأدب الروائي العربي والعالمي حيث كانت تجارب المناضلين من مقاومي الاستعمار والاحتلال وحكم الأنظمة الطاغية مادّةً ممتازةً لمتذوقي الأدب ومصدر الهام للعديد من اصحاب الأرواح الحرة التي ترفض القيود بكافة اشكالها ولقد زخر الأدبين العربي والعالمي بالعديد من الروايات المثيرة ومنها مثلاً لا حصراً شرق المتوسط لعبدالرحمن منيف وتلك العتمة الباهرة للطاهر بن جلول والتي تصلح ربما كمادة انتاج سينمائي ودرامي والحقيقة ان الدراما العربية قد قدمت في احد فتراتها البهية قبل انحطاط الأمة العديد من الأعمال التي حظيت باهتمام المشاهد العربي. كانت هذه التجارب عربيا وعالمياً وربما ما زالت للكثير من الأمم الحية احد مصادر الإلهام في البناء والتعلم من تضحيات الأفراد في سبيل اوطانهم وقد ساهمت في صنع حالات كثيرة من الوعي الجمعي للعديد من الأمم فتلك التجارب التي عاشتها طبقات الكادحين في فرنسا من الظلم والقهر قد صنعت تدريجيا مجدا سطره الشعب الفرنسي في ثورته التي بنت فرنسا الحديثة وغيرها من تجارب أخرى ساهمت في تمسك الأفراد بما يخدم الخير الأعظم لأممهم ونقلها من أتون الظلام لمواقع متقدمة بين الأمم.
في العصر الحالي حيث اختفت مظاهر الاستعمار المباشر تغيرت مكانة السجن وصورته النمطية فنادراً ما نقرأ أو نشاهد روايةً أو عملاً يحكي قصص المناهضين للاستعمار باستثناء القليل الذي يتم حجبه ربما لانه يزعج الكيان أو غيره من قوى العالم التي تحكم السيطرة على مفاتيح الوعي الجمعي للأمم بقوة المال والسلاح وغيرها. معظم ما نشاهده اليوم أو نقرأه عن السجن كمكان مرعب أو مزعج يخص سجناء ارتكبوا جرائم وأخلوا بالقوانين والأنظمة الطبيعية لدولهم أو بلادهم مع قليل ممن يناهضون ضد أنظمة الطغيان وكما قلت فان حكايات هؤلاء القلة لم تعد مصدر الهام لسبب يأتي ذكره في اخر المقال. المهم هنا هو تلك الحكايات المروية والمكتوبة والمنقولة عبر أعمال فنية عن صراع السجناء وكيف يصل الأمر بهم ربما للقتل من اجل ماء ساخن أو وجبة طعام معينة أو رفقة نديم معين وموضوع صراع السيادة بين كبار السجن ولمن الغلبة والقرار في كل ما يخص السجناء، هذه قصص مثيرة جدا تثير شغف الفضوليين ومن يملكون الوقت للتفكر والتأمل واستخلاص الاستنتاجات التي ربما يتم اعتبارها خارجة عن المألوف. هنا تذكرت صراع العرب فيما بينهم دون ذكر اسماء الدول، فصراع السيادة بين السجناء يذكرني تماما بهم! في السجن يتقاتلون على دور الحمام الساخن أو على علاقة حميمية مع بعضهم أو على وجبة طعام يطهوها سجين مثلهم ويحدد السجان لمن تذهب بناءً على ميزان القوة داخل السجن الكبير، انهم يتقاتلون أيضا على من تكون له العلاقة الأفضل مع السجان أو السجانين، يتقاتلون أيضا من اجل الغرف وتقسيمها وترتيبها، يتقاتلون من اجل دور المكالمة الهاتفية، يتقاتلون وإذا أرادوا الخلاص من احدهم يتهمونه بالعمالة للسجان رغم ان جميعهم يتقاتلون من اجل امتيازات يمنحها السجان لمن يثبت انه اكثر قسوة واخطر على زملاءه في السجن. عامل الوقت والمكوث الطويل داخل السجن الكبير يصنع سجناء متوحشين يقتل بعضهم بعضا لأجل اتفه الأسباب واسخفها وأمام كل ذلك يستمتع السجان ايما متعة فأمامه فرجة مجانية وفي سجنه كل من يشكل خطراً وزد على ذلك ان ثرواتهم كلها تحت امر سلطة السجان.
تلك يا سادة هي حكاية صراع المساجين التي باتت امتنا كلها دون استثناء تجسيدا حقيقيا لححكاياها وتفاصيلها اليومية، انه لمسلسل مثير حقاً يستحق ان يتم تصويره أو كتابته لتتذكره الأجيال التي ستاتي بعد ان تفنى هذه النسخة العفنة من هذه الأمة.
كما قلت انفا ان هؤلاء السجناء في غالبيتهم دخلوا السجن بعد ان نفذوا أوامر بشكل أو باخر من زعماء عصاباتهم ولانهم لا يملكون من الأمر الا ان يدخلوا السجن بأمر سلطة السجان حتى يلحق بهم زعيمهم الذي سيتمتع ويستمر بالتمتع بمكانته كزعيم داخل السجن الكبير كونه يملك سطوة على عبيده من رجال العصابة ( السجناء الان أو من قبله أو من بعده). أما عن أؤلئك المساكين ممن يتواجدون في هذه السجون رغم انفهم لأسباب مشرفة فان قصصهم لم تعد مهمة ولا ملهمة أبداً فمن يكتب عنهم لا قراء له أو ينتهي به الأمر مثلهم يخدمون زعماء السجن والسجان رغم انفه.

هذا يا سادة اختصار مثير لكل صراعات امتكم الداخلية، كلكم سجناء تتقاتلون ليستمتع السجان وزعماءكم في جلهم زعماء عصابات لا اكثر

ما اسخفكم لا استثني منكم أحداً
تابعو الأردن 24 على google news