الاردن: هل تعاني مواقع استطلاعات الرأي من ألاخطاء العلمية البحثية؟
أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :
لقد بات متعارفا عليه بأن نجاح العمل الاستطلاعي والإعلامي يعتمد على عناصر عديدة أهمها المصداقية والموضوعية، اللذان يكفلان إيصال المادة الخبرية بصيغة يمكن الوثوق بصحتها وتصديقها ، وحيث انه قد ظهر حديثا في قياسات قوة حدث او الترويج لاداء الحكومة او بعض الوزراء او المسؤولين او حتى الترويج لمرشح في الانتخابات اي كان نوعها او الترويج لاي منتج سواء كان تجاريا او اعلاميا فيما يعرف بمصطلح "الرأي العام" وانتشاره في الخطابين الرسمي والشعبي في بلادنا والذي لا يزال المفهوم الحقيقي له غامضا، ولا تزال استخداماته وتطبيقاته بعيدة عن جوهر استخداماته الأصلية. وعلى الرغم أيضا من كثرة " استطلاعات الرأي العام " التي يعلن عنها، أو يتم نشر نتائجها باستمرار في وسائل الإعلام، أو في دوريات علمية عديدة، فإن مشكلات القياس التي تكشف عنها هذه الاستطلاعات وهنا يكمن السؤال المطروح : هل تعاني مواقع استطلاعات الرأي من ألاخطاء النظرية؟.. وهل مجال الخطأ يشير إلى أنها استطلاعات وهمية؟
وبالاشارة الى ما قدمت اليه... فإننا نرى بأن قياس الرأي العام في بلادنا يعاني من أخطاء نظرية عديدة من ناحية، ومن اخطاء عملية تطبيقية كثيرة من ناحية أخرى، وهو ما يجعل من الموقف الحالي له في بلادنا واقعا " مأزوماً " وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل بجدية: هل توجد لدينا استطلاعات رأي عام حقيقية ، وهل لدينا " البنية المعلوماتية والمنهجية المهنية " القادرة على إنتاج استطلاعات وقياسات رأي عام يمكن الثقة بها والاعتماد عليها في قراءة المشهد ؟ وهل نحن قادرون في المستقبل القريب على تجاوز هذا الموقف؟
وفي ضوء ما يشهده واقعنا الاردني من زيادة في عدد استطلاعات الرأي العام في السنوات الأخيرة بصفة عامة، وفي الخمس سنوات الأخيرة بصفة خاصة، وفي ضوء ما يمكن ملاحظته من عدم اتباع كثير من القواعد العامة التي تتفق عليها كافة المواثيق الأخلاقية والتي تتمحور أساسا حول مبدأي الموضوعية والكفاءة العلمية، وينطلق من مبدأ المسئولية العلمية والاجتماعية للباحث. وتكفل آلياته ممارسة هذه المسئولية من جهة، والمحاسبة العلمية والاجتماعية لمن ينتهك قواعده من ناحية أخرى، يبرز الاقتراح الخاص بوضع ميثاق شرف أخلاقي يخضع له كل الممارسين والعاملين في مجال الرأي العام، ويتم التحقق من تطبيق بنوده في كل ما يتعلق بهذا المجال.
وعلى سبيل المثال وليس الحصر لاحظ الكثير من المتابعين في الاستطلاع الذي قامت عليه المراكز وفي كل ازمة تظهر في طول البلاد وعرضها وعلى سبيل المثال رضا الناس عن اداء الحكومة او في موضوع اضراب المعلمين ، وهنا اتطرق على سبيل المثال بأن احد المراكز مؤخرا قد اصدر نشرة استطلاعية خاص بالقنوات الفضائية الاكثر مشاهدة في الاردن ، ومن خلال متابعاتنا لردود الفعل التي تناولها المتابعين على وسائل الاتصال الاعلامي المجتمعي لتلك القنوات الفضائية وبرامجها والقضايا الوطنية التي تتعرض لها ظهر بروز نوع جديد من التأثير الماكر على هذه الاستطلاعات والمتمثل في التلاعب باستطلاعات الرأي ونشر نسخ مزيفة منها، حتى أن بعض مؤسّسات استطلاعات الرأي ندّدت بعمليات التلاعب ونشر استطلاعات مزيفة ورفع من شأن بعض القنوات في اعلى سلم الاستطلاع وواضعا بعض القنوات المتميزة في الدرك الاسفل من استطلاعة ، فما الذّي يفسّر استخدام استطلاعات الرأي أو سبر الآراء إلى وسيلة من وسائل في الدعاية المضادة الماكرة للتأثير على اراء المتابعين والمهتمين بقضايا البث الفضائي المتلفز؟ .. وتعليقنا على هذا يحق لنا ان نسأل: هل تصدّر شعبية منتج او اداء مسؤول او حتى قناة فضائية بعينها في استطلاعات الرأي يعيد الجدل حول تأثير المال الفاسد في مصادرة راي الناس؟ وطبعا هنا لا اعمم فبعض المراكز الاستطلاعية لها مصداقية في طرحها ومنهجها وما يصدر عنها من استطلاعات تكون محط ثقة ومرجعية..
وفي هذا السياق ومن التجارب والدراسات العلمية التي تم وضعُها حيال التضليل الاعلامي والذي يتوافق مع متطلبات الحكومات وما تناوله غيري من الباحثين في هذا الجانب فقد خلصنا الى عدد من التقنيات المستخدمة في التضليل الإعلامي:
1. قتل الشخصية وتشويه السمعة وتعني تشويه سمعة مؤسسة أو شخصية عمومية بواسطة معلومات الافتراء والقذف أو بمعلومات غير حقيقية.
2. اطلاق الإشاعات وتستعمل بصفة خاصة عندما يكون الناس في حاجة ماسة إلى المعلومات أثناء الأزمات أو الصراعات.
3. اخفاء المعلومات الصادقة والحقيقية حيث يقال إن الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب، وعلى حد تعبير ستالين " في أوقات الحرب تكون الحقيقة ثمينة جدا، فينبغى أن تحاط بحارس شخصي والحرس الشخصي هي الأكاذيب ". ويهدف هذا الحذف إلى تجنب الإحراج السياسي وإخفاء سوء التسيير والتصرف.
4. اخفاء واقع الامر واللغة المزدوجة وتتمثل في قول شيئين مختلفين حول نفس المشكل لاثنين أو أكثر من المخاطبين، الخطاب الداخلي في مقابل الخطاب الخارجي مثلا.
5. السكوت والصمت الاعلامي ويعني السكوت والصمت بخصوص بعض الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى تغيير في مواقف الرأي العام بشأن بعض القضايا.
وفصل القول ... نقول بأن حرية تداول المعلومات، الشفافية والمصداقية تشكل المتطلبات الأساسية لمواجهة التأثيرات السلبية للشائعات، ولانتشارها في المجتمع الاردني وفي السياق ايضا " الشائعات لا توجد فى النور، الشائعات تنمو فى الظلام، وتتغذى على مصادرة حق الأفراد في أن يعلموا، وفي أن يعرفوا الحقيقة كاملة. هناك حق للأفراد فى أن يعلموا تفاصيل الموضوعات التي تتعلق بهم. كتمان الأمور، ووضعها جميعا تحت الشعار الشائع والمتداول في بلادنا واعمم حتى البلاد العربية وهو " أسرار عليا للدولة " لم يعد مفيدا، ولا عمليا خلال هذه الفترة، التي من أهم ملامحها الإنفجار المعرفي وثورة وسائل الاتصال تحتاج إلى إعادة نظر لحق الشعب في المعرفة الكاملة، حتى نقضي على الشائعات.
ختاما ... نؤكد ونقول بأن الدراسات العلمية المتعلقة بالرأي العام في بلادنا تواجه عديدا من المشكلات نظريا ومنهجيا وأخلاقيا، ويتطلب تطويرها خطة متعددة الأبعاد تحاول سد أوجه النقص في هذا المجال، ومعالجة العيوب في الدراسات المرتبطة به واستيعاب أوجه التطور العالمية واستدخالها فيه كما يجب أن تكون هذه الخطة متزامنة في تنفيذ أبعادها ومتكاملة في الجهود المبذولة لتحقيقها وفي هذا الاطار لا بد من إدخال مقررات جديدة في دراسة الرأي العام والتركيز عليها مثل: نظرية القياس، تحليل الشبكات، بناء النظريات، الاهتمام بتطوير الأساليب الكيفية وتحسين مخرجاتها.
باحث ومخطط استراتيجي