هل اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني منفذا لعجز الموازنة؟
أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :
فاتورة الطاقة وعجز الموازنة ... هل اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني منفذا لعجز الموازنة؟
لا زالت اتفاقية الغاز الاردنية الاسرائيلية التي تم ابرامها مع الكيان الصهيوني هي الموضوع الاسخن والتي واجهتها معارضة شديدة على الملأ حيث صاحبها جدل محتدم بشأن الصفقة التي قامت الحكومة الأردنية بإبرامها مع شركة "نوبل إنيرجي" الأمريكية من أجل استيراد الغاز من إسرائيل، ... لقد تفاقمت أزمة الطاقة في الاردن بعد انقطاع الغاز المصري عقب التفجيرات العديدة التي استهدفت أنبوب التوصيل منذ فبراير 2011 في منطقة سيناء المصرية، ولم يتزود بأي كميات من الغاز الطبيعي المصري المستخدم لغايات توليد الطاقة الكهربائية، حيث كانت مصر تزود الاردن بكميات تتراوح بين 70 الى 100 مليون قدم مكعب يوميا، وفي بعض الأيام كان التزويد يتوقف تماما، في الوقت الذي ينص الاتفاق المبرم بين الاردن ومصر بأن تكون الكميات 253 مليون قدم مكعب يوميا. وقد أصبح استيراد الغاز الطبيعي من مصر غير منتظم بسبب تخريب خط الأنابيب الموصل لهذا الغاز كما أسلفنا، ويبدو من غير المحتمل أن يستأنف حتى لو يتم في النهاية احتواء الاعمال التخريبية في سيناء.
كنت اتمنى ان يضع الفريق الاقتصادي في الحكومة البدائل التي ترتقي وحجم المسؤولية التي ينتظرها الوطن (وعدم اللجوء الى الكيان الصهيوني ) لتزويدنا بالغاز لإنتاج الطاقة سيما واننا ندفع فاتورة الطاقة بالشيء الفلاني (تزايد مضطرد) نظرا لاعتماد الأردن حالياً على زيت الوقود الباهظ الثمن لتوليد الكهرباء وفي هذا السياق وصلت خسائر شركة الكهرباء الوطنية الاردنية 1300 مليون دينار اردني سنويا بسبب انقطاع امدادات الغاز المصري حيث كان يعتمد الاردن بنسبة 80 %على الغاز المصري في توليد حاجياته من الكهرباء ، فمنذ عام 2011 كان ارتفاع تكاليف الطاقة المحرك الرئيسي في العجز المالي للمملكة ، وكم اصبحت هذه التكلفة مرهقة لخزينة دولتنا والتي هي الاخيرة تعاني اعتلالات مزمنة لا زالت رهينة علاجات لم يظهر بوادر شفاؤها حتى الساعة ...
كنت اتمنى ان تلتقي الرؤي لكل المنظرين على الحكومة بإيجاد البديل وحتى لا يُجَرمْ بعضنا البعض وتذهب بنا الايام ونحن في خصام وجدل لا يقدم للوطن والمواطن بصيص امل في الخروج من نفق المهاترات والمغالطات احيانا وفي كل الاحوال يكون فيها الخاسر الوحيد وطننا وهو لا يستحق هذا التخندق وتسجيل المواقف التي كثيرا ما ابعدتنا عن جادة الصواب ، وفي هذا المقام فإن الحكومة والنواب مطالبين بإيجاد صيغة توافقية للخروج بتصور وحل استراتيجي سيما وان مشكلة الغاز والنفط مشكلة اردنية قديمة جديدة بامتياز وعليه فإنني ومن خلال اطلاعي على ارث العجز المالي الناتج عن فاتورة الطاقة أضع تصورا استراتيجيا لهذا الموضوع وعلى النحو التالي:
(1) البدائل المتاحة لشراء الغاز
التحول السياسي الأردني مع دولة قطر وعودة المياه الى مجاريها بين البلدين الشقيقين ووصول السفراء الى عمان والدوحة فإن الأجواء مواتية بأن تبدأ الحكومة مفاوضات جادة مع الاشقاء القطريين لوضع مذكرة تفاهم من حيث المبدأ تفضي الى توقيع اتفاقية لمدة 25 عاما لتزويد الاردن بالغاز القطري وبالتوافق مع انجاز مشروع ميناء الغاز المسال في مدينة العقبة. لأننا وكما اسلفت في نزيف مستمر لتغطية تكلفة فاتورة النفط والغاز على السواء ونعتقد وبدون أدني شك ان القيادة القطرية الممثلة بسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لها الحرص الاكيد للوقوف الى جانب الاردن في مثل هذه الظروف...
وهنا نرى بأن الحكومة يجب ان يكون لديها خطة مستدامة لتوفير الغاز من مصادرة المختلفة من خلال قيام الحكومة وبالمشاركة مع القطاع الخاص بتملك أو استجار ناقلات للغاز وبسعات تخزينية كبيرة لاستغلالها بنقل الغاز من مصادرة المختلفة من الدول المنتجة للغاز (الجزائر – قبرص – قطر …. الخ ) ، حيث ستكون قادرة على تلبية احتياجنا من النفط وخاصة في حالة الطوارئ وتعدد مصادر التزويد في هذه الحالة بعد توقيع مذكرات تفاهم جادة مع الدول المنتجة للغاز...
(2) محطة للطاقة المتجددة " محطة معان للطاقة "
يجب ان تضع الحكومة على رأس أولوياتها زيادة مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في إجمالي حجم الطاقة القائمة في البلد لتصل إلى 30 % بحلول عام 2025.
وفي هذا الصدد لا بد من قيام الحكومة بالشروع بتطبيق نموذج معين يتعلق بموارد الطاقة المتجددة والغرض من هذا النظام هو الاستخدام الكفء والفعال لمصادر الطاقة المتجددة من خلال إنشاء مناطق واسعة النطاق لمصادر الطاقة المتجددة في العقارات العامة والخاصة والعقارات غير المنقولة ، وتحقيق الاستثمارات مع تخصيص هذه المناطق للمستثمرين بطريقة سريعة ومعدات عالية التقنية تستخدم في مرافق إنتاج الطاقة الكهربائية على أساس موارد الطاقة المتجددة التي يتم إنتاجها محليًا ، والمساهمة في شراء التكنولوجيا بدءً من العام 2020 من أجل البدء في تنفيذ عدد كبير من مشاريع الطاقة المتجددة
وفي رأينا فإنه يتوجب على الفريق الاقتصادي في الحكومة ان يفكر بضرورة تأسيس شركة لإنتاج الطاقة المتجددة بحيث تسعى الشركة من خلال نشاطها إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة، وفي نطاق عمل هذه الشركة تعتمد الحكومة خطة للتنمية والتنويع الاقتصادي بإنشاء محطة للطاقة المتجددة " محطة معان للطاقة " بحيث يتم تنفيذها على مدى عشرين عاما، ويرافقها تعزيز منهاج للتخطيط الحضري طويل المدى مع ما يشمل التزاماً استراتيجياً بمتابعة مسيرة التنمية بأسلوب مستدام قدر المستطاع. ويتمثل أحد جوانب هذه الخطة في دعم مشروع تطوير محطات الطاقة المتجددة على نطاق واسع للمساعدة في تلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة في البلاد. وتأتي "المحطة المقترح انشاؤها للطاقة الشمسية المركزة بقدرة 120 ميغاواط كأولى هذه المحطات "...
يقوم مشروع " محطة معان " على تصميم وبناء وتشغيل وصيانة محطة للطاقة الشمسية المركزة في منطقة معان وفق منهجية البناء والامتلاك والتشغيل (BOO) او أي صيغة استثمارية من قبل شراكة بنسب متفاوتة بين الشركات المتخصصة في مجال الطاقة الشمسية وفرص الاستثمار في بهذا المجال متاح للأردنيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى. وستعتمد المحطة، التي تبلغ قدرتها الكلية 120 ميغاواط، على تكنولوجيا المجمّعات الشمسية ذات القطع المكافئ التي باستخدام الطاقة الشمسية في صحراء معان في المنطقة الجنوبية الشرقية للبلاد... وجاء اختياري لهذا الموقع نظراً لاشتماله على المساحة الكافية والمناسبة لعمليات المحطة، وتعرّضه بشكل مباشر لكميات كبيرة من أشعة الشمس، كما يسهم موقع "محطة معان" في تحقيق أهداف التطور الاقتصادي للأردن من خلال دفع عجلة النشاط الاقتصادي قدماً في مناطق جنوب المملكة.
وللترويج لعمليات الاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة يجب وضع برنامج استثماري يدعم ويشجع الشركات المتخصصة بهذا النوع من المشاريع الريادية وتشجيع لمن يقوم بإنشاء محطات للطاقة البديلة من خلال عقد حكومي بمدة لا تقل عن عشر سنوات لشراء الطاقة التي تنتجها هذه المحطات بحيث يستطيع المستثمر استرجاع رأس المال خلال ثمان سنوات مثلا وبنسبة أرباح تصل الى 12% ، وكجزء من جهود الدولة لتوفير طاقة مستدامة يعتمد عليها المستهلكين، تقدم الحكومة إلى المستثمرين حوافز مجزية مثل التعرفة الخاصة وضمانات الشراء وأولويات التوصيل وإعفاءات الترخيص ...الخ ، وذلك حسب نوع وقدرة منشأة توليد الكهرباء مقابل تشغيل الأردنيين في هذه المشاريع، وعندها فإن قطاع الطاقة في الأردن سوف يصبح أكثر حيوية وتنافسية، ويجذب انتباه المزيد من المستثمرين...وعند نجاح هذا المشروع يتم الإعلان عن محطة جديدة في منطقة المفرق " محطة المفرق للطاقة المتجددة " والاستفادة من درس انشاء " محطة معان للطاقة " في كل ما يتعلق بطرح مزاد المشروع والشروط وغيرها من الأمور التعاقدية...
خلاصة القول ولما تقدم فإن الحكومة مدعوة لاتخاذ إجراءات عاجلة من شأنها توفير الطاقة والوقود وذلك من خلال بعض الإجراءات:
1. وضع قوانين جمركية مشجعة للمواطنين لاقتناء السيارات الهجينة (Hybrid) والتي توفر استهلاك البترول مما يخفض استهلاك المملكة من سلعة النفط وما يعود على الدولة من تخفيض الكلفة التشغيلية لمادة البترول ناهيك عن المحافظة على الجانب البيئي.
2. وضع قانون صارم للترشيد وكفاءة استخدام الطاقة مع وضع اهداف لتحقيقها في خفض معدل الاستهلاك خلال الخمسة سنوات القادمة من خلال برامج توعية هادفة ومدروسة للمجتمع والمؤسسات وخاصة المصانع والمؤسسات التي تعتمد على الطاقة في تصريف اعمالها مثل محطات سلطة المياه ومرافقها.
واخيرا ثمة اسئلة يمكن طرحها في هذا الموضوع:
1. ماذا عن موقف حلفاء الأردن العرب من الاتفاق الذي تم ابرامه مع الكيان؟ وهل سيبادرون لدعم الأردن لإنهاء هذا الاتفاق والذي يلقي بظلاله على الاقتصاد الاردني والارتهان في "التبعية الاقتصادية " و"رهن أمن الطاقة" لدولة الكيان.
2. هل سياسة الكيان الجديدة تهدف إلى ولوج قطاع الطاقة العربي؟ وهي إن نجحت في ذلك تستطيع تدريجاً التأثير في إمدادات الكهرباء وأسعارها في الدول المعنية، والمحاولة لاختراق صناعة الطاقة العربية.
باحث ومخطط استراتيجي