لا وحق الكرسي لن أُخلف عهدا
ذلك الكرسي الملعون الذي لم يترك لنا خيارا سوى لعنه والتعوذ من شره والدعاء على من جلس عليه !!! تعددت الكراسي في وطني والوصفة واحدة ولا تتغير ، فكأنما هنالك ميثاق يجب "التبصيم" على جميع بنوده من أجل أن يتمكن الشخص منه!! ذلك الكرسي نراه يغير الجالس عليه 180 درجة بين ليلة وضحاها ، وكأنه قد طُمس على عينيه وقلبه .
المواصفات القياسية للكرسي مختلفة ولا تنحصر بشكل أو نوع أو خامة فالنتيجة واحدة وأذكر بعضها للمثال لا للحصر :
* فإما أن يكون دائري بلا مسند للظهر ولكنه ثابت ، صنع من أجل سرعة تغيير الجالس عليه بمجرد الإنتهاء من المطلوب منه ويتميز هذا المقعد بكثرة عدد المستخدمين وتنوعهم .
* وإما أن يكون دائري ولكن بمسند للظهر وهو متحرك ، يوضع حيثما دعت الحاجة له ، ويصنع بالعادة للمكافئة أو لسد الجميل وهناك من يطلق عليه ( كرسي الواسطات والمحسوبيات والقرايب والحبايب ) .
* وإما أن يأتي مربعا بمسند للظهر ومسند لليدين ويتميز بأنه (هزاز) وهو "ثاني" أقوى الأنواع !! ولا يتمكن إلا القلة من الجلوس عليه ولا يشترط بأن يكون رئيسا للوزراء ، فإن أدخل على هذا الكرسي بعض التقنيات ليصبح متحركا بالعجلات فيصبح "أقوى نوع" ويسمى ( عابر حكومات ) يستعمله بعض الوزراء ، وبعض رؤساء الهيئات وأحيانا قليلة بعض النواب والأعيان ويتميز بأنه (أمر الواقع) ومفروض على الشعب وعلى الرؤساء .
* وهناك الكرسي الثابت وبمسند الظهر ولكنه ( قلاب ) ويستخدم بالعادة للنواب ، ويتميز بأنه ثابت طالما أن الجالس عليه ملتزم ومطيع ، وما أن يميل فيميل عليه وتنقلب الأمور ضده ( بقدرة قادر ) ويتميز أيضا بوجود إسم شاغره حتى قبل الإنتخابات وقد أثبت ذلك الكرسي نجاعته منذ 1993 ولغاية الآن حتى صار إختراعا مسجلا ويصدّر الى دول عربية أخرى .
* ولا ننسى في هذا السياق الكراسي الحجرية لتناسب شخوصا ( ديناصورية ) ، وتتميز تلك الكراسي بأنها للرفاهية وحب الظهور والتنفيع بعد أن عفا على شاغرها الزمن .
* أما الكراسي السلطوية فعلا ( كراسي الأجهزة المعنية ) فلا نعرف عنها ولا عن من يشغرها شيئا سوى ...... تم تكليف ...!!! أو قدم الإستقالة أو أحيل على التقاعد ....!! مع أنها هي التي تسير الأمور وتحكم بقية الكراسي فتبقي من تشاء وتنزع الرحمة عن من تشاء وتعز من تشاء ... ( والباقي عندكم ) .
* أما كراسي الهوامير والأباطرة والحيتان فهي دائما على آخر طرز وتتميز بأنها تأتي بـ (ممسحة) أمامها من أجل التزلف والتملق الذي يمارسه أصحاب المناصب للجالس عليها .
وبالطبع هناك الكراسي المزركشة والمعبدة والطائرة والغاطسة والمتزنة والمائلة وبالوان الطيف المختلفة من جهة ومن جهة أخرى هنالك كراسي الصحافة (المخرومة) والكراسي الكهربائية ( الصاعقة ) والمائية ( الغارقة ) وتطول القائمة ...!!
أقرب مثال رئيس وزراءنا فقد كان يقوم بتمثيل (السيناريو) الذي كتب له طيلة فترة نيابته ..!! والآن بعد عقود من التمثيل !! ( المتقن ) والإلتزام المستمر (بالنصوص والتابلوهات) المعدة له مسبقا .... فقد أصبح (سوبر ستار) إستحقاقا بجدارة!! وعليه عُين ورُفّع إلى رتبة "رئيس وزراء" متسلحا بخبرة سنين طوال من الخدمة في كراسي المعارضة ، والآن تنتقل الأدوار وتدوّر الى من لحقه من نواب ليكملوا نفس (السيناريو) الذي إلتزم به هو طوال عقود ، مع بعض التعديلات التي تحتاجها المرحلة الحالية من تغيير لبعض الجغرافيا ، فمثلا مهمة التشويش إنتقلت من الطفيلة إلى الأغوار!! ، والإلهاء إنتقل من الشمال إلى الجنوب والوسط!! ، وتبعا لمتطلبات المرحلة الحالية فقد إزداد عدد الكراسي الغربية ....!!! كل ذلك ليتأكد " المُخرج " من التشويق والإثارة ولكي لا يشعر المشاهد ( الشعب ) بالملل .
ذلك الكرسي الملعون ، حتى "حاملي الحقائب" لا يجلسون عليه إلا وفق سيناريو محدد ، فبعضهم يُخلّد في أكثر من سبع حكومات والبعض الاخر إذا ما أثبت جدارته فلا يلبث ويستبدل ، واخرون يطوفون على الكراسي كل حسب النص والحاجة ...!! ( فبالنهاية جميعهم وجدوا ليسدوا الفراغ ) ولا يتنازلون عن ذلك (المغناطيس) حتى لو أحرق الناس أنفسهم .
أما الرؤساء والأمناء والمدراء العامّين فتلك حكاية أخرى... فهم يقولون ما لا يفعلون ، ويفعلون ما يُؤمرون ، وينفذون ما هم به غير مقتنعون ، وهم لألسنتهم مُغلّفون ، ولقلوبهم مقفلون وعقولهم مُعطّلون ، لا يرسمون ولا يخططون ، فلا قيمة لخبراتهم ولا لعقولهم ، وكل ذلك ثمنا لذلك الكرسي الملعون ....!!! .
وسنبقى بإنتظار من يأتي ليصنع هو الكرسي بيديه وإخلاصه وإنتمائه وحرصه على وطنه ، وإلى ذلك الحين حسبي الله...