كورونا و قنبلة البطالة ... و الساعة السابعة مساءً !!
رامي زياد الخياط
جو 24 :
هاتفني العديد من الاخوة و الأصدقاء من اصحاب الشركات و المحال الكبيرة في قطاع المواد الغذائية (عدا المطاعم)، و زودوني بأرقام حقيقية مرعبة عن واقع صعب و مستقبل مرعب سوف يضرب قوت عشرات الآلاف من العاملين في قطاعهم ...اذ يعمل في هذا القطاع أربعة عشر الف منشأة، توظف خمسين الف شخص، و إذا ما اعتبرنا ان معدل عدد أفراد كل عائلة يعيلها هذا الشخص هم خمسة بمن فيها رب الأسرة، فنحن نتحدث هنا عن ربع مليون مواطن ، أي ما يوازي عدد سكان محافظتي العقبة و معان معاً !!!
سأتحدث هنا عن قطاع واحد حيوي و هام يقع تحت مظلة قطاع المواد الغذائية بشكله الشامل وهو محلات الهايبرماركت و السوبر ماركت الكبيرة و التي ترتبط ارتباطًا عضويًا وثيقًا بباقي قطاعات المواد الغذائية و قطاعات عديدة أخرى موردة لها. هذا المحلات توظف ما لا يقل عن خمسة عشر الف شخص لديها بفروعها المنتشرة على امتداد المملكة، أي انها تعيل خمسة عشر الف عائلة ، أي خمسة و سبعين الف فرد (و انا هنا لا اتحدث المولات طبعا، فتلك قضية أخرى بحد ذاتها، وإنما اتحدث عن محلات السوبر ماركت الكبيرة و بعضها داخل المولات)...
أين تكمن المشكلة ؟؟! ...
ان ابقاء ساعات الحركة من الساعة الثامنة صباحا الى الساعة السابعة مساءً مع حظر يوم الجمعة ادى الى تراجع ايرادات هذه المحلات بشكل كبير يفوق النصف، مما يدعوهم للتفكير جدياً الى تسريح جزءٍ من عمالتهم
هذه المحال مملوكة لشركات محلية و عربية تمتلك عشرات الفروع داخل الوطن، و نظرًا لطبيعة و آلية عمل هذه المنشآت قبل جائحة كورونا، فقد كانوا يعملوا لورديتين أي (شفتين) two shifts، كل واحد منهم مدته ثماني ساعات ..يبدأ في الثامنة صباحا و ينتهي في الثانية عشر ليلًا... اخذين بعين الاعتبار ان نسبة كبيرة من المواطنين يفضلون التسوق بعد ساعات العصر و المساء خصوصا مع دخول فصل الصيف و ارتفاع درجات الحرارة..
في الوضع الحالي الممتد منذ شهرين بسبب كورونا و المرشح للاستمرار في حال استمر على ما هو عليه، فان ابقاء ساعات الحركة من الساعة الثامنة صباحا الى الساعة السابعة مساءً مع حظر يوم الجمعة و نظام الفردي و الزوجي قد ادى الى تراجع الحركة و تراجع ايرادات هذه المحلات بشكل كبير يفوق النصف، مما يعني ان هذه المنشآت سوف تعمل وردية واحدة فقط (أي شفت واحد فقط مدته 8 ساعات)، بمعنى اخر فان نصف عمالتهم لا تعمل...!!!
و بما ان هذه المنشآت تمارس عملها (أي غير مغلقة) ، فهي ملزمة حسب قوانين الدولة بصرف رواتب العاملين فيها كاملة، لانها لم تعد متعطلة، الا انها في الواقع نصف متعطلة و غدت بامكانياتها و أحجامها كمن يمللك سيارة رولز رويس، ولكنه يعمل عليها كسيارة تاكسي ....!!!!!!
و اذا كانت هذه المنشآت قد تعاملت مع رواتب شهر آذار و نيسان بشكل او بآخر.. أي انها صرفت رواتب العاملين بها خلال الشهرين الماضيين بشق الأنفس، فان الأيام و الشهور القادمة لا تبشر بذلك أبدا اذا استمر تحديد ساعات حركة الناس حتى الساعة السابعة مساءً، و العديد من اصحاب هذه المحال كما علمت منهم سوف يلجأ مضطرًا الى تسريح ما لايقل عن 50% من عمالته، مع العلم انهم يعملون فعليًا حتى السادسة مساءً حتى يتسنى لهم إغلاق محالهم و الوصول الى منازلهم قبل بداية الحظر في السابعة .... أي ان حوالي 7500 شخص من العاملين في هذه المحال الكبرى سوف يجلسون في بيوتهم.... و سيتوقف مورد رزق عائلاتهم، أي ان سبعة و ثلاثين الف مواطن اردني سيتحولون بين ليلة و ضحاها الى عالة على المجتمع، و سوف ينضمون الى طابور المنتفعين من المعونة الوطنية !!!
و بما اننا نتحدث عن الأرقام ... و الأرقام في الغالب لا تكذب !!! فهل تعلمون ان حوالي 36% من حالات الوفاة في المملكة حسب الإحصائيات الرسمية سببها الجلطات القلبية !!!! و هل تعلمون ان من احد اهم أسباب الجلطات و السكتات القلبية الضغط و الكبت ... و هل تعلمون ان الكلفة العلاجية المباشرة لأمراض القلب في المملكة وصلت الى 1.2 مليار سنويًا كما في العام 2010 حسب احصائيات رسمية ... و المؤكد انها تضاعفت حاليا و لكني لا املك ارقام حديثة بخصوص ذلك !!!
بكلام اخر ... فان وجود فائض من العمالة لدى هذا القطاع لوحده ممن قد تضطر منشآتهم للاستغناء عنهم بسبب تراجع ايراداتها الناتج عن تراجع ساعات عملها، سوف يقودنا لأرقام عالية من العاطلين عن العمل، و سوف يولد ذلك ضغطاً نفسيًا و اجتماعيًا و صحيًا و يؤدي الى ما لا نحمد عقباه، عدا عن الأثر المالي لمعالجة الأمراض القلبية و النفسية الناشئة عن ذلك كما اشرت سابقًا، و التكاليف الإضافية التي ستنشأ عن البطالة المرتفعة أصلا مع دخول عشرات الآلاف الى (نادي الفقراء الجدد) في وطننا الغالي ممن سيلجؤون الى الدولة لأخذ معوناتٍ منها !! ...
و على الرغم من كل ما تم ذكره، فان هذا غيض من فيض لقطاع واحدٍ فقط تاثر بتحديد ساعات الحركة و الحظر ، و الأدهى و الأمّر ان هذا القطاع يعتبر من اقل القطاعات المتأثرة من كورونا ولو بشكل نسبي، الا ان له تاثير مباشر أيضا على قطاعات مرتبطه به ممن تقوم بتزويده بالمواد الغذائية و التموينية و غيرها من المستلزمات التي يبيعها، و بالتالي فهي حلقة متسلسلة مترابطة، تراجع احداها سيقود الى تراجع الآخرين، و ستغدوا مثل لعبة احجار الدومينو ... اذا سقط حجر ... سقطت وراءه باقي الأحجار !!!
هذا غيضٍ من فيض... فهنالك قطاعات أخرى تأثرت بشكل مضاعف بسبب كورونا و العديد منها في طريقه الى الإغلاق و الإفلاس و تسريح موظفيه، مثل قطاع المطاعم و المقاهي، و شركات تأجير السيارات السياحية، و شركات تعليم قيادة السيارات، و الفنادق، و مكاتب السياحة و السفر، و الحج و العمرة، و الطيران، و صالات الأفراح، و شركات تنظيم المعارض و الموتمرات، و صالات الألعاب، و السينما، و المولات، و العقارات، التطوير العقاري، و قطاع الكهربائيات، و الإنشاءات و ما يرتبط بها ...و قطاع الملابس و الأحذية الذي خرج من غرفة العمليات الى غرفة العناية الحثيثة، و غيرهم الكثير !!
و اعود لما بدأت ... و للمرة العاشرة أقول... كورونا لا تضع ساعة في يدها، و لا تقرأ التقويم... كورونا لا تخرج من بيتها بعد السابعة مساءً فقط.... و لا تعتكف في بيتها طوال أيام الأسبوع، و تخرج الى الشارع يوم الجمعة تبحث عن فريستها !! ... كورونا لا تفرق بين الساعات و الأيام !!!
و عليه، علينا ان نستمر بالتثقيف و التوعية ، و معاقبة المخالفين لاجراءات التباعد و السلامة من المنشآت و المواطنين و دون هوادة... ولكن استمرار تحديد ساعات العمل و الحياة الى غروب الشمس فقط، سيؤدي إلى أضرار و نتائج متراكمة قد يصعب معالجتها اذا استمرت، و ستودي الى غروب شمس اقتصادنا أيضاً، و سندخل في ظلام ليل البطالة، مع زيادة أمراض الضغط، و الأمراض القلبية و النفسية !!!
خمسمائة حالة و نيف ... و لا حالات داخل عمان منذ اكثر من اسبوعين ، و تسع وفيات رحمهم الله لشعب عدده سكانه عشرة ملايين نسمة، نسبة لا تذكر و لا تستدعي تعطيل الحياة !! ... سيما و انه تم فتح معظم القطاعات حاليا و المحلات و الشوارع تفيض بالسيارات و البشر و التزاحم حاصلٌ طيلة ساعات النهار ... فلماذا نقفل حياتنا يوم الجمعة و في ساعات الليل !!؟؟
انني اخشى ان ينطبق علينا قول الشاعر:
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره … وموت الفتى بالسيف اعلى وأفخرُ
و لكن بشكل اخر... ليصبح:
و من لم يمت بكورونا مات بفقره … وموت الفتى بالسكتة اعلى وأفخرُ !!!!!
انتبهوا ... و تنبهوا .. فهذا الوطن غالٍ على الجميع، و نحن نقول منذ البداية ... ان الحكومة الموقرة عملت ما عليها ... و اجتهدت في هذه الأزمة التي لم تمر على العالم من قبل... و سجلت نجاحًا صحيًا هو الاميز عالميًا في مواجهة هذا الوباء .. و لكن مرة أخرى و أخرى ... حذار من تسونامي البطالة و من كورونا الاقتصادي فهو اشد ايلاماً ...
ارجوكم لا تكونوا كالأب الذي يريد ان يقي ولده من البرد، فيحضنه و يغطيه حتى يحميه....فيقتله خنقاً دون ان يقصد !!!!
لا تئدوا الاقتصاد المريض حياً...
أعيدونا الى الحياة ..
حمى الله وطننا، و قيادتنا و شعبنا ...
اللهم اني قد بلغت... اللهم فاشهد ..