jo24_banner
jo24_banner

ماذا يحدث في السودان ..؟

أحمد عبدالباسط الرجوب
جو 24 :


- هل هو التدمير الذاتي؟.. هل هي خلاصة " لخراب " ضرب بنية الدولة السودانية؟..


وأخيراً حدث ما حدث ووقعت الحرب التي طالما حذرت منها في أكثر من مقالة، منذ احداث دارفور في اندلعت في شباط / فبراير 2003 ، وما ان وقعت الحرب ونشهدها مرآى العين ، وفي تقديري أن الأمور كانت تتجه إلى سيناريو العنف السياسي بحسب المعطيات وأن تفضي تداعياته وانسداداته إلى تلك الحرب...

فمن ناحية كان واضحاً أن الفساد الذي تخلّق وتراكم في بنية الدولة السودانية جراء أخطاء بنيوية قد بدت تطبيقات الإسلام السياسي حلقته السرطانية الأخيرة على النحو الذي نراه اليوم في حرب هي الثمرة المسمومة لتخريب الجيش الوطني على مدى 30 عاماً، ليبدو صراع الجيش والدعم السريع الذي يتطور اليوم بوتيرة متسارعة معركة تكسير عظام لا نجاة منها، وهو فساد سيتعذر علينا إدراك طبيعته المميتة إذا لم نستوعب أن الخلاص من براثن وتداعيات الفساد السياسي كالذي عرفه السودان 30 عاماً لا يمكن إلا بشق الأنفس.

نتابع وبالم شديد ما يجري في السودان الشقيق ... المشهد واضح بانه تدمير ذاتي Self-Destruction حالة سرطانية .. خلايا انقلبت على بعضها تاكل في الجسم السليم ، الخاسر في الحالتين اي من الطرفين خسر شيئًا هو نفس الخسارة للطرف الاخر " لا يوجد في هذا الصراع العبثي اي رابح " فالسودان ارضا وشعبا هما الضحية "..

السودان المكبل بالعقوبات والديون وارتفع التضخم إلى مستويات قياسية تجاوزت 400 في المئة .. ويشكو معظم السودانيين من صعوبة تدبير أمورهم المعيشية.وحالة عدم الاستقرار السياسي منذ عقدين لا ينقصة مثل هذه الصرعات " الحمقاء " ، ضرب في المنشآت وتخريب بالمؤسسات والبنية التحتية ، فهذا امر جلل وهو في رأيي جزء من تدمير دولي شاركت بالتحضير له دول معينة لتدويلة في مرحلة قادمة...

الغريب في المشهد السوداني ان الصراع الحاصل بين شريكين في الحكم " الورم السرطاني ما بين نفس الخلايا " واوثر ان اسميها حرب اهلية على مستوى عسكري " الجيش بعساكرة وقوات الدعم السريع انقسموا على انفسهم ".

يمكن القول إنه بالنظر إلى ما يجري من عنف سياسي مميت في مدينة الخرطوم منذ يوم السبت الـ 15 من نيسان / أبريل 2023 على خلفية نزاع عسكري على السلطة تحتم وقوعه بين الجيش والدعم السريع، فإنه لا يزال ثمة إمكان للخروج من دوامة حرب نقدر أنها دُبرت من طرف ضباط في الجيش لتكون مغامرتهم الخطرة والأخيرة..

المشهد السوداني الان يظهر بوضوح غياب النخب والتكتلات السياسية عما يدور من صراع البنادق والمدافع ، ففي الزمن الغابر من في الحياة السياسية في البلاد كانت القيادات التاريخية والزعماء امثال الصادق المهدي والميرغني رحمهم الله جميعا يمسكون دوما بخيوط واسرار اللعبة السياسية ويحكمون مسارها ووأد الفتن حال ظهورها .. لكن للاسف الان الساحة خالية من مثل هؤلاء الساسة الانقياء..

خلاصة القول:

هكذا كان ظاهر الاختلاف في مواقيت عملية الإصلاح الأمني والعسكري بين الجيش والدعم السريع ضمن بنود الاتفاق الإطاري القشة التي قصمت ظهر البعير، لكن في تقديري أن الخلاف يكمن في ما هو أبعد من ذلك، أي في التحول الكبير الذي طرأ لقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" عام 2022 إثر الزيارة التي قام بها إلى موسكو في الـ 24 من شباط / فبراير 2022، أي في يوم اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، وهي حرب بدت واضحة اليوم انعكاساتها الجيوسياسية على شكل وطبيعة التحولات في سياسات المحاور الدولية وضغوطها، مما يدلنا بوضوح على أن ثمن الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على حميدتي أثمرت تسوية في ذلك التحول الذي طرأ عليه، وكان من علاماته قبوله بدمج قواته في الجيش، إذ هذا محرماً من محرمات الدعم السريع، وكذلك قبوله الخروج من العملية السياسية وفرض الأمن في دارفور..

خطورة هذا الصراع أن له تداعياته السياسية والأمنية على المستويين الإقليمي والدولي، كما أنه يعيد أسئلة عديدة بشأن موقع السودان الجغرافي والسياسي، فأطماع دول كبرى وإقليمية في بلد غني مثل السودان جعلته مركز صراع بين هذه القوى المختلفة. ومن هنا ، يتداخل البعدان الدولي والإقليمي مع البعد المحلي في الصراع الدائر. يتحدّث الجميع عن تاريخ قوات الدعم السريع وعن الصراع بين حميدتي والبرهان، بينما يتم إغفال الجانب القبلي الحاضر بقوة في هذا الصراع، والذي قد يقود إلى حربٍ أهلية، ويؤدّي إلى تفكّك السودان، وهو ما ستكون له تداعياته الكبرى على المنطقة، وخصوصا على دول الجوار، ولا سيما مصر ... لأول مرة، يشهد السودان مثل هذا الصراع، الذي شمل جميع ولايات البلاد الثمانية عشرة ، ومع استمراره سوف يتعقّد المشهد أكثر فأكثر، وتصبح له امتدادات إقليمية ودولية...

ختاما ...

من أكثر الأمور التي تهدّد دول الجوار الاقليمي وتهدّد السودان وتهدد مصر بشكل خاص أن يتحوّل السودان إلى صومال جديد، وتكون هناك أجيال من المتقاتلين المسلحين.. وفي ظل ضعف الولايات المتحدة وتراجع نفوذها في المنطقة، يصبح الأمر خارجا عن السيطرة ويتحوّل السودان إلى منطلق ومركز للجماعات الإرهابية، ما يهدّد بصورة مباشرة الحالة السياسية والأمنية على الصعيدين الدولي والإقليمي.

وعلى صعيد مصر ، سيكون لتفكّك السودان أيضا تداعياته على القضايا المهمة لمصر، وخصوصا قضية سد النهضة، فقد كانت مصر تنسّق بصورة دائمة مع السودان، من أجل أن تقف في وجه الغطرسة الإثيوبية، من أجل توحيد الجهود في هذا الإطار، إلا أن السودان لو تفكّك فهذا يعني أن مصر فقدت حليفا مهما، كما أنها ستكون مضطرّة إلى التعامل مع دويلاتٍ ما يفرّقها أكثر مما يجمعها، وهو ما سيكون له أثره في ملفّ مهم، مثل ملف نهر النيل..

حمى الله السودان الشقيق " الصابر " ارضا وشعبًا..

تابعو الأردن 24 على google news