الخبًّيزةُ والأرنَب! (هلوَساتٌ إقتصاديّةٌ)
محمود عطية
جو 24 :
لا تعنيني كثيرًاً مسطَلَحاتُ كمؤشّراتُ النّموِ السَنوي، أو معدّلات النّاتج المحلي، ميزان تِجاري، إجمالي الدّينْ، سندات أو أصول، ودائع من العُملة الصّعبة …خزينة الدولة، وغيرها الكثير مِن المُفردات الإقتصاديةِ آلعِلميّة! فَالفِئة المَطحونَة من الشعب، لا تستطيع تفسيرها أو دعني أَقول لا يمكنها الإحساس بها وملامستها على أرض الوَاقِع، إنّ طبَقُ الحمّص وأسعارهُ سيعبًر عن الحال المعيشيّة عندهم بشكل أعمق وأشمل دون الحاجة لتِلك الأوصاف مطلقاً!
إنّ ما يحصُل فى العالمِ مِن مجاعات ونَقصٍ بالغذاء والطعامِ، مردّه إلى سوء إدارة البَشر لِموارد الكون ومقدّراته. الله عز وجل، خلق وقدّر لنا من الخَير ما يكفينا على هذه الأرض، إن نحن أدركنا طبِيعة الخَلق وفهمنا فلسفته بحق أوّلا وقبل كل شيء، حينها لا تقلق عَزيزي ولا تكترِث بهؤلاء الّذين يحذّرونك من الإنفجار السّكاني ويجعلونَه السّبب وراء نقص الغذاء دوماً!
عليك أن تنطُر إلى طبيعة الغِذاء وتوافُره بالشّكل الفِطري بدايةً ، لنأخذ نبات الخبّيزة مثالا، إعلم أن الله لم يَخلقه عبَثا، لِذلك يتوجب علينا إعتمادها كوجبة أساسيّة فى مواسمها الطبيعيّة ، لا تظن أنك تملك حريّة الإختيار هنا، يتحتم علينا نبذُ ثَقافة الأهواء والأذواق، عندما شكلت الخبّيزة واخواتها من النباتات الأخرى، طعام الآباءِ والأجدادِ، حققنا حينها إكتفاءا ذاتيّا ونعُمنا بإستقرار وأمن على كافة الصّعد والمستويات!
على الجانب الآخَر تأتي اللّحوم وحاجتها الملحّة دائما! سأتناول الـأرنب فى حديثي هنا، وسبب إختياري لهذا المَخلوق الوَديع هو أنه سريع التّكاثر والإنتاج بشكل كبير جدا، وأعود هنا لأكرر ما بدأت به مقالتي مِن حاجتنا الملحة والطارئة لفهم طبيعة الخلق وفطرته. ببساطة، أكثر بيض نتناوله ونبدأ به إفطارنا باكرا معظم الأوقات، هو بيض الدّجاج وليس البط أو الحمام! السبب بسيط، هو الطائر الأكبر انتاجا للبيض وحسب! وعليه فإن تناول لحوم الأرانب يجب أن يتصدّر ويتربع على عرش الموائد بدون منازع، فهو أقل كلفة، سهل الإنتاج، متوفّر بكثرة ولن يشكّل خطرا بيئيا سلبيا، كما فى حالة تربية المواشي بأعداد ضخمة توجب توفير أعلاف ومياه بكميات تحدث ضرراً وتؤثر على الموارد الطبيعية بشكل مستمر. ماذا يضيرنا لو تحول المنسف من لحم الخروف إلى الأرنب!
قد يبدو كلامي هذا سخيفا عند بعضكم، وغبيّا عند البعض الآخر ربّما! لكن صدقوني، إن الكارثة المقبلة والمجاعات القادمة، هي نتيجة لسوء إدارة الإنسان وتحكّم أهواؤه بمقدّرات هذا الكون وعبثه المستمر بها. ولا بد لنا من الـإلتفات لمسألة الأمن الغذائي لمجتمعاتِنا وشعوبنا، باعتبارها أولويّة وضرورة حتميّة. إنظر إلى الصين وإسأل نفسك: ماذا يأكل الصينيّون؟ إبحث فى هذا الجانب، ستجدهم أكثر شعوب الأرض إعتمادا على الطبيعة فى تناول غذاءَهم، لا زال قسم كبير من الصينيين يعتمد على الصّيد البرّي، وهو أمر يندر عندنا وقد تحول الى هواية وليس غاية! يأكلون الحشرات التي تتكاثر بسهولة وبالمليارات. هذه ليست دعوة لأكل الحشرات مثلهم بالطبع، إنما أريد القولَ أنّه قد حان الوقت للتفكير جدياً بمعضلة ثقافة الطعام وخياراته، لتتوافق مع بيئتنا وطبيعتها.
غور الأردن، هذه البقعة الزراعية الممتدة على طولِ حدود الوطن من شمالِه حتى جَنوبه، إمتلأت بأشجار الفواكه الاستوائية من أمثال البابايا أو الكيوي وغيرها! ستشكل بدورها إحتياج أساسي مكلّف مادّيا للمواطن بالمستقبل القريب بكل تأكيد، بينما بإستطاعتنا الاستغناء عنها بكل سهولة والإستعاضة عنها بفواكه حمضية رائعة وشهيّة، تعشق الغورَ أشجارُها!
ودُمتُم