وحداتxفيصلي.. عنصرية بنكهة جميلة!
محمود عطية
جو 24 :
عندما يلعب الشيطان بمخي ويحاول إقناعي بأن اكون إنسان عنصري، أستعيذ بالله منه اولاً وقبل اي شيء ومن ثم أذكّر نفسي بموقف حصل معي قبل اكثر من عشرين عام، ففي احد المرات اتصل بي صديق غير عنصري مطلقا لدرجة انه لم يسال احد فى حياته عن اصله او من اي بلد هو، حتى أنا شخصيا يعرفني من سنوات طويله ولم يسألني عن هذا الأمر قط! اتصل بي وقال تعال اسهر عندي، فى عندي ضيف بدي أعرفك عليه، لبيت دعوته وتعرفت على ضيفه ودار بيننا احاديث عديدة، سالته بعدها عن قريته او مدينته فأجابني انه من إربد، وهو بدوره وجه لى ذات السؤال، فأخبرته اني من قرية اسمها ( سيلة الظهر) قريبة من مدينة جنين فى فلسطين، فارتسمت على وجهه ابتسامة عظيمة وبدى سعيدا جدا!؟ تعجبت لأمره وسالته عن سبب فرحته هذه وبهجته؟ فأجابني انه ولد فى قريتي ودرس صفوفه الاولى فى مدرستها! دهشت وقلت ألست من اربد كما ذكرت للتو ؟ قال : بلى ولكن والدي كان ضابطا بالجيش العربي وخدم بالقرب من قريتك واستشهد على ثراها! كيف لى ان اكون عنصريا بعد هذا الموقف بربّكم، وابن اربد عاش ودرس في قريتي وانا لا اعرفها او أزورها من قبل، هو احق بي منها اذن؟
إكتشف أحد اصدقائي فى مرة ورقة قديمة جدا فى خزانة جدّه بعد وفاته فى احدى قرى فلسطين، حاول ترميمها واستخدم مكبرات لتفسير كلماتها ليكتشف بعدها انها رسالة موجهة لاحد اجداده فى ثلاثينيات القرن الماضي، وموقعة باسم رجال فى احدى قرى مدينة جرش تدعوهم فيها للعودة لها وزيارتهم فيها واكتشفوا ان أسماءهم تحمل نفس اسم عائلتهم وان هناك هجرة لأجدادهم حدثت قبل نحو قرن او اكثر بقليل من تلك القرية واستقر بهم الحال فى فلسطين! وقس على هذا مئات القصص او الآلاف منها ان شئت!
الأمير حسن بن طلال، قال فى احد اللقاءات بذات السياق ان الحديث عن الأصول فى الاردن هو مجرد هراء وليس له اي معنى، ببساطة نحن العائلة المالكة قدمنا من مكة بالعشرينيات وعائلات وعشائر عربية وارمنية وشركسية وغيرها الكثير قد سبقونا إلى الأردن بعشرات السنين او اكثر! أنا أراها مقولة عبقرية ملخصة لقصة الاردن ونشأته، أنا مع الاعتزاز بالقرية والمدينة والفخر بالانتماء لها، لكن على ان تظل بمفهوم الثقافة ، و لا تكون مسألة عظم ونسب! الأرمني او الشركسي يتحدث ببيته بلغته على سبيل المثال، هنا هو اردني يحمل ثقافة مختلفة عن أردني آخر من معان مثلا! إذا كانت الأوطان والانتماء بالأقدمية واسم العشيرة، فسنكون حينها فى معضلة عظيمة وعلينا اجراء تحقيقات تاريخية ودراسة هجرات وربما تحليل دم ايضا لتحديد من هو الاردني وتعريفه؟
العنصرية فى المجتمعات شيء صحي إذا ما بقيت فى إطارها الثقافي وحسب، ولنا بامريكا، الدولة العظمي وشرطي العالم خير مثال، كلهم يعرفون اصولهم دون استثناء صدقوني، ويعرفون نفسهم على انهم أمريكيون إيطاليون او فرنسيون فى احيان كثيرة، ولا تجد من يتحرج من هذا الأمر او يريد ان يثبت انه أمريكي اصلي مثلا ، هي عنصرية داخل قالبها الثقافي فقط، نعم لأمريكا ونشاتها خصوصية ووضعية مختلفة ولكن يظل بامكاننا القياس عليها دائما وبكل تاكيد.
إذا كان نادي الوحدات على سبيل المثال قد نشأ وتؤسس من لجنة أيتام فى مخيم للاجئين الفلسطينيين، اليس من المنطقي والطبيعي ان يكون أنصاره ومريدوه من حاملي الثقافة الفلسطينية من ابناء الأردن؟ لا اريد ان اسميها أصول، واصر على وصفها او التعبير عنها بمفهوم الثقافة وحسب، وان بدأت اسمع فى الاونة الاخيرة عن مناصرين لفريق الفيصلي العزيز من فئات من المفروض ان تحسب على فريق الوحدات، وهي حالة صحية مؤكدا ولا يمكن ان نتحكم بالأهواء والرغبات او نحدد لها قوانين وضوابط، يحق للجميع اختيار فريقهم المحبب، جل مشجعي برشلونة من الأردنيين لم يصلوها او يعرفوا عنها شيئا يذكر، وتراهم يهتفون لميسي ويحتفون به عند كل هدف يسجله! شي من عند الله.
العنصرية باشكالها موجودة فى كل المجتمات وستظل، لان مسبباتها موجودة لكل من ارادها ببساطة! لكن عليك تزيينها دائما وإضافة النكهات الجميلة لها، وإياك ان تدفعك عنصريتك للكراهية او الطرد والنبذ، عندما نقول ان اخواننا الكركيين هوايتهم المفضلة هي التزلج على ( الجميد) هذا مزاح عنصري جميل! او عندما نطلق النكات على الطفايلة ونحن نعلم انهم الأكثر تعليما على مستوى المملكة، ربما هو دافع الغيرة! سمعت مرة عن شخص من احدى مدن جنوب الاردن متزوج من فتاة أردنية تحمل ثقافة فلسطينية ( لا اقول من اصل فلسطيني) ، كان إذا ما غضب منها يقول لها فى كل مرة: جهّزي تنكات الزيت وبوجهك على الجّسر!
تعريف الأوطان او المجتمعات غير ثابت على مر التاريخ، الخريطة متغيرة والمفاهيم كذلك، نحن اليوم فى وطن نحمل جوازات سفر تتغير ألوانها دائما ، لنتقبّل بعضنا بعضاً، ونعيش بمحبةوسلام، إن قلوب الناس هي جنسياتهم. دمتم