تعلموا السياسة من النمور!
محمود عطية
جو 24 :
فى لقطة غريبة وفريدة من نوعها, ظهر نمر متوحش فى أحد الغابات وهو يحتضن غزال رضيع, ثم قم بلعقه على غير عادته وكأنه أمه الحنون!كان هذا المشهد فى أحد برامج الحيوانات وحياة البراري على أحد القنوات وأثار يومها دهشة جميع من رآه وخلق تساؤلات عديدة حول إمكانية حدوث هذا الأمر وكيف أن الرأفة والرحمة غلبت قسوة ووحشية هذا المخلوق؟
لكن ما الذي حل بالغزال المسكينن بعد إنتهاء البرنامج يا ترى وما هو مصيره او ما حل به بعد توقف الكاميرا ؟ أتوقع أن النمر كان سياسيا محنكا أو دعني أقول أنه نمر مدقدق!هو يعرف جيدا أنه لن يجد بتلك الفريسة ما يكفيه من اللحم أو الشحم بالطبع وعندما لاحظ كاميرا المصور, أظهر الحنية والشفقة حينها لينال الإعجاب ويوهمنا بأنه مخلوق رقيق ورحيم حتى وإن إفترس مئات الطرائد من قبل , فلا بد لنا أن نغفر له ما سبق بعد هذا الموقف الإنساني أو الحيواني, لاأدري بماذا أصفه أو أسميه صراحة؟
حقيقة الأمر أن ذلك النمر يمثل الواقع السياسي فى عالمنا اليوم, وسأعطيكم مثالا واقعيا وهو الإنزالات الجوية التي تحدث فى سماء غزة لمناطيد محملة بالقدر اليسير من الغذاء كل يوم،إن قاتل أطفال غزة هو ذاته من يسقطها! الأنظمة الداعمة لإسرائيل والتي تبقي على سفاراتها فى عواصمها ومنها عربية للأسف هي تقتل الأبرياء من أهلنا فى فلسطين كل يوم وإن كان بشكل غير مباشر, أليسوا نمورا إذن؟
أنا بلغت من اليأس لأقول أننا بتنا نقارب الحيوانات فى سلوكها بشكل كبير وربما يفصلنا عنها أمر أوحد وحسب وهو أننا لم نتسلق الأشجار بعد! نحن نرى فى إجتماع الأسود على فريسة أو طريدة مشهدا مؤلما لا يحتمل ولكننا ننتظر المناسف التي يتربع على عرشها رأس الذبيحة ونجتمع حولها بوحشية أكبر من سباع الغابات أحيانا! وعندما تتناطح الكباش أو تتصارع الضباع نصفه بالسلوك الوحشي الإجرامي, بالمقابل يطيح لاعب الملاكمة خصمه ويطرحه أرضا, فنصفق له ونحييه لأنها رياضة وليست وحشية مؤكدا حتى وإن أودت بحياة أحدهم فى احيان كثيرة؟ ومن الأمثلة المشابهة كذلك قيام القطة بالتبول على محيط المكان الذى تقطنه كي تؤمن ملكيتها وتمنع البقية من إختراق حرمها الخاص, إعلم أنك تحذو حذوها عندما تنتمي لبلد وتسمي نفسك بها وتفديها بروحك مع علمك بأن حدودها رسمت بنفس مبدأ بول القطة, إنها صفة العصبية والعنصرية هذه المرة!
أستطيع القول أن الإنسانية بمفهومها الشامل باتت مهددة وفى خطر بالغ و جسيم , لا يمكن أن نسمي أنفسنا بشرا فى عالم يموت فيه الأبرياء فى كل ساعة, لا بد من مراجعة وعودة حقيقية لمفهوم الفطرة السوية التي بثها الله فى نفس مخلوقه المكرم و أراد منه إعمار الأرض, فخلق قيه صفة الإرادة وميزه بها عن دونه من الخلق, واذا بإرادته وإختياره يحوله إلى نمر أو وحش كاسر ليكتفي بالإنسانية كقناع بعدها يتوارى ويختبئ وراءه عند الحاجة.
ربما بالغت فليلا فى عقد هذا الوصف أو التشبيه, لم أقصد أو أتعمد عقد مقارنة حقيقية بين الإنسان والحيوان فى هذا المقام بالطبع, وإنما أردت مدخلا وطريقا تصحيحيا لنا كبشر نعيش سويا فى عالم يجب علينا جميعا حمايته وتحمل مسؤولياته ليتحقق لنا الأمن جميعا وننعم فى ربوعه وهو أمر لن ندركه أو نصل اليه إلا بإنقراض نخبة النمور الحاكمة التي لطالما أجادت دور الرحمة والرأفة وتقمصوها وجسدوها ببراعة فائقة , أما آن الأوان بعد يا أعزائي لكشف الزيف ومغادرة المسرحية؟! دمت