jo24_banner
jo24_banner

الأَسَد، مَلِكُ نصّبَهُ البَشَر!

محمود عطية
جو 24 :


لا أدْري إن كانَت حيْواناتُ الغابَةِ قدْ إجتمعت يوماً وحسَمت أمرَها، ومن ثم نصّبَت الأسد وأعلنتهُ ملكاً عليْها! إعلَموا أعزّائي الكِرام أنّ الأسَد ملكاً فى عيونِنا نحنُ البشَر وحدَنا، وأنه يتوجّب عَلينا مراجَعة مَفاهيمنا المتعلقة بِالحكمِ عَلى المخلوقاتِ وتقييمها ومنح الألقاب لها بشكل أساسِي.

لا يكفيَ النّسر خالِبَه الحاد، وسُرعة إنقِضاضه وفتُكه بالطّيور الأخرى، ليستَحِق لَقَب ملِك السّماء والأجْواء! كذلك الحوت، ضَخامتُه وفمُه الواسِع العظيم، ليس مؤهلاً ومبرّرا بالشّكل الكافي ليتربّع على عرش مملكة البِحار!

هذِه الأوصَاف الّتي نستَخدمها دائما، إنما تَعكِس حَالة القُصور لَدى الإنسان والخَلل فى تقييمِه للأوصاف الّتي يطلِقها وَيمنَحها للإنسان قبلَ الحيوان فى أحيانٍ كثيرة.

سأعود للحدِيث عن الأسد، الذي يحلو للكَثيرين مِنكم تسميته بالملك دائماً! صدّقوا أنّه ينام ما يقارِب العشرون ساعةٍ باليَومِ الواحد ، يَلتَهم أشبال منافِسيهِ، كَي تبقى ذرّيته ونسلَه وحدَه دون الأسود الأخرى، لا يصطادُ نهائيّا ويوكِل المهمّة إلى اللّبوات دوماً، يستطيع مجامعة اللّبوات آلافُ المرّات خلال الموسِم الواحد، ربما كانت صفَتُه الأخيرة تِلك مؤهّلة ليفوز بلقب الملك عند كثيرٍ منّا!

حقِيقة الأمر، أنّ الصورة الذّهنية التي إرتَسمت فى مخيّلة الإنسان عن الملك وصِفاته على مرّ العصور، كانَت وراء هذه المعضلة والمسبّب لها فى تَقديري الشّخصي. لتَتأكد من هذا الأمر، إنظُر إلى صورة تاريخية لملك المغول أو السّلطان سليمان القانوني أو حتى صلاح الدين الأيوبي، ستجد أن الشّرر يتطاير مِن أعينهِم! لا يهمّني حقيقة ما كانوا عليه، بل ما يعنيني هُنا هو إنطباع الرّسام فى هذه الحالة، جرّب الآن أن تتخيّل الملك ريتشارد ( قَلب الأسَد) على سبيل المثال، كيف ستراه فى مخيّلتك حينها؟ مثل الأسَد تماما!

الخضوع والاستسلام، هل هي صفاة فطريّة راسخة فى نفوس البَشر؟ أيعجبنا ويُثيرنا نموذَج الفَرد القوي الباطش المتجبّر؟ لا مؤكداً، نحن بشرٌ، لسنَا لبُوات نلبّي رغبات الأسود ونعيش فى كنفِها وتحتَ حمايتِها فى ذلّ وهوان. أين العدل، أين الرّحمة والمساواة، السماحةُ والحبّ؟ تلك هي صفة الملك الحقّ إذن.

أخيرا، أطالب وزارات التربية والتعليم فى جميع دولنا العربية، بنزع لقبِ الملك من هذا المخلوق المسمّى أسداً من جميع مناهِج العلوم وكتُبِها، حيثُ إتّضح لنا مؤخراً، وبعد بحث علمي مطوّل أنّه غير جدير بهذا اللقب ولا يستحقّه او يحمل من صفاته اللّازمة ما يكفي لمنحِه لهُ، مع الإعتذار لأجيال عديدة وانا منهم بالطّبع، عَن فكرَة أردتم منها تغيير فطرتنا وتحويلنا إلى لبُوات!

ودمتُم
تابعو الأردن 24 على google news