غياب الثقة ..استطلاعات الرأي أنموذجاً
لاستطلاعات الرأي أهمية كبرى في معرفة اتجاهات المواطن، في شتى القضايا التي تهمه وتشغل باله، وبال الأنظمة، كما تعد طريقا لبناء القرار، بما يتناسب ومصلحة الدولة.
في الأردن تكاد تغيب استطلاعات الرأي التي تخاطب الجمهور مباشرة، بعيداً عن الحكومة، واعمالها، وافعالها، مع أن ثمة هذه من اختصاص هذه المراكز.
لو قارنا بين مراكزنا البحيثية، وتلك الموجودة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، لوجدنا الأخيرة تعتمد على هذه الأداة لقياس مدى، تقبل أو رفض المواطنين لسياسات الدولة الداخلية والخارجية، ومدى أثر النتائج على صانع القرار، الذي يأخذها على محمل الجد. مثلا آخر استطلاعين، تم نشرهما في إسرائيل خلال الأسابيع الماضية للوقوف على آراء المواطنين، واتجاهاتهم، من محاثات السلام الفلسطينية الاسرائيلية، وجولات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة.
غياب أردني
الذي يدقق في الاستطلاعين، يرى أن المؤسسات البحثية، مهتمة، بل مهتمة جداً بالشعب الإسرائيلي، لذا هي تذهب اليه لمعرفة رأيه، لبناء سياساتها، طبعاً، هذه المؤسسات تحترم نفسها، وتحترم وطنها.
بمقابل ذلك، الذي يتابع استطلاعات الرأي التي يجريها، مركز دراسات الرأي، ومركز الدراسات الاستراتجية للجامعة الأردنية مثًلا، فإنه يصاب بشيء من القهر، جراء “المعروض” على صفحتيهما على الشبكة المعلوماتية.
فموقع ”دراسات الرأي” يعرض عدداً كبيراً من المواضيع، مع غياب شبه تام لاستطلاعات الرأي، إذ إن آخر استطلاع قام بإعداده، كان بتاريخ كانون الثاني من عام ٢٠١٢، ليغيب بعدها.
فلو قرر الباحث أو المهتم الاطلاع على صفحة المركز، فإنه لن يجد شيئاً ملفتاً للانظار، حيث تتصدر صفحة الاستطلاعات استطلاع بعنوان: أولويات الحكومة الجديدة، إعداد: هنا المحيسن، منشور في كانون ثاني 2012، وآخر بعنوان: نتائج لجنة مراجعة نصوص الدستور، منشور في حزيران ٢٠١١، من اعداد هنا المحيسن. وكأن لا باحثين في المركز، عدا الباحثة هنا المحيسن.
الملاحظ أن الاستطلاعات تناولت الشأن المحلي ذات الصبغة الحكومية فقط، ولم تتناول القضايا المصيرية، التي تهم حياة الوطن والمواطن.
لهذا نسأل هنا، هل شملت إعادة هيلكة صحيفة الرأي، مركز دراستها، أم لا، وهل يتمتع الأعضاء والعاملون بالمركز بالامتيازات الوظيفية التي يتمتع بها موظفو الصحيفة، ان كان الجواب، نعم، فإن السؤال، يكون كيف، ولماذا؟
مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعة الأردنية
في عين السياق، لم يخرج مركز الدراسات الاستراتجية التابع للجامعة الأردنية عن الدائرة الفارغة التي يسير بها مركز دراسات الرأي، فالُمطلع على صفحة المركز على الانترنت، يجدها فقيرة للدراسات التي تخاطب الرأي العام، وتستطلع آرائه، فمثلًا: أغلب أعمال المركز ترتبط بالحكومة الأردنية، ففي خانة استطلاعات الحكومة الأردنية لم تغب – أي الحكومة - منذ عام ١٩٩٦ إلى عام ٢٠١٣، فأول استطلاع للرأي بعنوان: تشكيل حكومة الكباريتي، في 01-02-1996، إلى آخر استطلاع تناول حكومـة النـسـور الثانية بعـد مـرور 200 يـوم عـلى تشكيلها- تشرين الأول 2013.
تحت عنوان آخر يتناول المركز بشكل دوري استطلاع آراء الشعب، فيما يخص القضايا المحلية، مع تواضع في بناء استطلاعات التي تهتم بالشأن الاقليمي والعرب ما يلفت الانتباه هنا، هو غياب استطلاعات الرأي التي تراقب عمل الوزارات، والمؤسسات الوطنية إلى جانب غيابها عن القوانين التي تصدرها الحكومات.
مقابل ذلك، وتحت خانة الاستطلاعات الديمقراطية، نجد أن آخر استطلاع بهذا الخصوص، نشر في 18-01-2012 يتناول الديمقراطية في عام 2012، ليغيب من بعدها، بقدرة قادر، وكأن عجلة الديمقراطية قد توقفت ذلك العام.
من جانب آخر عرض المركز، ثلاثة استطلاعات، تحت بند استطلاعات إقليمية على النحو التالي:
23-09-2012 العملية الانتخابية ، مسح مقياس الرأي العام العربي،13-06-2012 مسح مقياس الرأي العام العربي، 11-06-2012 الشارع العربي في زيارة جديدة،02-06-2012 نتائج الحرب الأخيرة على لبنان.
الغريب في الأمر أن الاستطلاعات الإقليمية هذه، ظهرت في شهر ٦ من عام ٢٠١٢، وهنا، نطرح السؤال التالي، ما الذي حصل، لتتوقف عجلة الإنتاج هنا، بعد هذا التاريخ ؟
صفحة، مسوحات محلية متنوعة، تناولت هي الأخرى عدد من الاستطلاعات، نشر آخرها في 05-06-2012 بعنوان : تقييم أداء مجلس النواب الرابع عشر (2003-2007)، ومحددات السلوك الانتخابي خلال الانتخابات النيابية المقبلة، ليغيب المركز بعد ذلك. هنا لابد من طرح السؤال التالي، ياترى من هو الذي كان يقود المركز في عام ٢٠١٢، وعمل على تفعيله، ومن هو يقود المركز اليوم، ويغلق أبوابه ونوافذه، وأعماله ؟
المضحك في الأمر أن مركز الدراسات الاستراتجية التابع للجامعة الأردنية، ليس له من اسمه نصيب، إذ تغيب عنه، الدراسات الاستراتجية المحكمة، والتي يمكن الاعتماد عليها، فما هي الأسباب يا ترى؟ ألا يوجد لدينا باحثون للقيام بهذه الدراسات، أم أن الواسطة والمحسوبية والتهميش، والتدخلات الامنية تحول دون ذلك؟
عدم مسؤولية وعدم اكتراث
وعليه، فإن كلا المركزين لم يتطرقا إلى أي شيء له علاقة بمعاهدة السلام الأردنية الاسرائيلية، ورأي الاردنيين بها، كما لم يتناول أي منهما، للقضايا المصيرية، ذات التماس المباشر مع حياة الوطن والمواطن و تهدد وجودههما، مثل قضايا اللاجئين واثرها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، قضايا التجنيس، والخصخصة، والفساد، ورفع الأسعار.
لذا يمكن القول: إن المركزين متشابهان من حيث العمل وطريقة الإدارة، إذ يغلب عليهما، الانفصال الواقعي عن المجتمع الأردني، ولعل هذا التبرير الأمثل، لغيابهما الممنهج. فقد توقفت ساعة الزمن لديهما عام ٢٠١٢، ولم يتم اصلاحها بعد.
فهل يستطيع أي من المركزين، أن يعدا استطلاعا للرأي، يتناول قضاياه المصيرية، من نوع، هل يقبل الشعب بإرسال جيشه وقواته الأمنية للضفة الغربية، هل الشعب مع منح الجنسيات لأبناء الأردنيات المتزوجات من جنسيات اخرى، هل الشعب مع تجنيس اللاجئين، مقابل منح الأردن تعويضات مالية، وهل ثمة تدخلات أمنية في عمل الحكومة، وهل ثمة دور للديوان الملكي في ملف اللاجئين، والمفاوضات، من هي السلطة الفعلية في الأردن، أهي في الديوان الملكي، أم في دائرة المخابرات، أم في الدوار الرابع، ما مدى تقبل الشعب الأردني للسياسة الخارجية التي يقودها وزير الخارجية ناصر وجودة، ما هو رأي الشعب بخصوص قضايا الفساد المسكوت عنها، هل من الممكن ذلك؟
لكن هذه المسائل الحساسة، تغيب عنها مراكز الاستطلاعات، لأنها بالأصل ليست بيده، ولا يمتلك استقلالية التحرك الذاتي، وأكبر دليل على ذلك، هو المنصب والدور الذي وصل اليه المدير السابق لمركز الدراسات الاستراتجية في الاردنية، حيث أضحى الرجل الأول في التنسيق والترتيب للمشاريع الاقليمية التي تحوم حول المنطقة. لذا يمكن القول إن هذه المراكز لا تعمل باستقلالية تامة، انما يتم بها عن بعد.
إضافة إلى ذلك، يا ترى ما هي طبيعة الانقلاب المفصلي الذي تم في عام ٢٠١٢، ما أدى إلى وأد مركز الدراسات الاستراتجية بعد ّذلك ؟
أحد الأصدقاء، وهو مؤرخ مغترب، مطلع على بواطن الأمور قال: إن اهمية استطلاعات الرأي لدى صانع القرار الإسرائيلي، أهم بكثير منها عند صانع القرار الأردني، فالسياسي الإسرائيلي مضطر للتعامل مع الرأي العام بالنسبة للقضايا المصيرية، لكي يبدل او يغير مساحة مناورته، فهو أولًا و آخراً منتخب من الشعب، ولا يستطيع تجاهله، لأن ثمة انتخابات. أما في الأردن، فإنني أتذكر 3 روؤساء وزراء، رددوا نفس العبارة، وهي " أنا لست هنا لكي أكسب شعبية، فلقد عينني جلالة الملك، وهو من يقيلني". لذا فالمسؤول الأردني لا يكترث للرأي العام، سيما وان المواطن بالنسبة لهم لا يشكل فارقاً.
اخيراً: لماذا لا يستفيد هؤلاء من تجارب الآخرين، حتى الأعداء منهم، أليست الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذ بها، لماذا تلك الدول تشرك مواطنيها بكل مشاريعها، فلا تخفي عنهم شيئاً، لماذا الصورة لدينا مقلوبة، حكوماتنا، ومن قبلها مؤسساتنا الأمنية، والديوان من فوقهما، يخفون عن الشعب كل الحقائق الموجعة التي تهدده، لكن لماذا، ممن يخافون؟
بعد كل هذا، يطالبوننا بتصديقهم، وحماية الاردن مما يحيط به. متناسين ان مصائب البلد هم اسبابها وهم منتجوها، فقد اخفى هؤلاء كل شيء عن الشعب. حتى بات الشعب لا يعلم من امره شيئاً.