jo24_banner
jo24_banner

العودة إلى المستقبل

خالد عياصرة
جو 24 : يأتي كتاب الدكتور حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قطر، كتابه المعنون ”الأردن واسرائيل – علاقة مضطربة في إقليم ملتهب“ ليختتمه بواقعية لا تنكر الماضي، بل تدعو إلى الاستفادة منه والبناء عليه، وهذا ما يدعوه الى توجيه دعوة إلى ما من يهمه الأمر، بالعودة إلى المستقبل من باحثين ومهتمين بالتفكير الجدي بـ"سيناريو الاصطدام" الحتمي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في الأيام القادمة.

كنتيجة لابد منها للغياب القاتل للمشاريع الأردنية بمواجهة المشاريع الإسرائيلية، التي لا تؤمن إلا بمصلحتها، مشاريع ترى أن حل الدولة الواحدة المتعددة مجرد نكتة أردنية سمجة، وأن التوسع المنفرد ضرورة لإستمرارها، يسهم ويضمن يهوديتها، ويضمن نقاءها العرقي. سيما وأن التفكير الاستراتيجي الأردني مغيب أو غير مسموح له بالظهور، خوفاً من ردة فعل إسرائيل وازلامها اصحاب مدرسة الرضى والقبول بالأمر الواقع، في الداخل والخارج، والذين لا يجدون غضاضة في تقديم التنازلات تلو التنازلات لضمان رضى اسرائيل.

بمواجهة المثالية القاتلة التي تسيطر على بعض منظري السياسة الأردنية، مثالية أسهمت في ايصال الأردن إلى ما هو عليه الان، بحيث لم تستفد من التجارب الماضية التي اسهموا إلى حد بعيد في رسم مشاهدها، وباتوا ينظرون اليها فقط بإعتبارها تاريخا لا يتوجب الالتفات اليه الا من زاوية الاستعراض الشخصي لانجازاتهم، تاريخ لا يتوجب الاخذ به كأساس لبناء أنموذج مستقبلي دفاعي. مثالية، ترى ان إسرائيل ومشاريعها التاريخية، ليست إلا مجرد أوهام كاذبة، لا تدعو إلى الحذر والخوف، وكأن اسرائيل (هم هذه) ان أرادت تطبيق مشاريعها استأذنهم واخذت بآرائهم! لكم تدعوني نفسي هنا، لاحالتهم إلى ما يقوله المنظر الواقعي جون ميرشايمر مثلاً، فهل يفعلوا ذلك.

البراري والذي أخذ على عاتقه تقييم العلاقة الأردنية الإسرائيلية قبل وبعد معاهدة السلام التي وقعها الجانبين عام ١٩٩٤، يرى أن النظام الأردني الحالي، لم يستفد من تجربتي الملك عبد الله الأول والملك الحسين، اللذان طورا نهجاً مميزاً لمواجهة المشاريع التوسعية الاسرائيلية، والتي ترتكز فقط على الأردن. إضافة إلى ذلك، خسر الأردن منذ توقيع معاهدة السلام الكثير من وزنه الإقليمي والدولي كما خسر استراتجيا، بعدما تحول إلى لاعب هامشي، بعدما كان اساسياً لا غنى عنه، سيما وأن موقعه الجيوسياسي يؤهله لذلك.

إلى جانب ذلك، وبعيداً عن التاريخ، جاء الكتاب، استشرافي مستقبلي يعتمد أساساً على مراجعة العلاقة الإسرائيلية الأردنية وتطورها، ليواصل ديناميكية تعتمد المدرسة الأنجلوسكسونية في التحليل، وتبني رؤيتها نتيجة اطلاعها على الداخل الإسرائيلي لا على تشابكها معها. هذا التفكير لم يختلف أكان المسيطر حزب الليكود أم العمل، إضافة إلى التيارات الدينية المتشددة داخلها، أسهمت جميعاً في رسم استراتجيات تناسب الأمن القومي الإسرائيلي، المؤسف في الأمر هو أن الاغلبية من الباحثين يعرفون تلك الإستراتجيات، إلا أن الإستراتجيات المضادة للدولة الأردنية لا وجود لها، مثلاً، ما الذي يمكن عمله أردنياً في حال قررت إسرائيل اعتماد سياسة الترانسفير القصرية للفلسطينيين، لضمان يهودية الدولة؟ ماذا يستطيع (السيستم) أن يفعل في حال عملت اسرائيل على تطبيق قانون الخيار الأردني فعلياً. هذا في ظل تنازل النظام عن تأثيره الاقليمي والدولي.

إلى جانب ذلك، تناول الكتاب الدور الإستراتيجي للملكين عبد الله الأول والحسين ، واللذان استغلا البعد الجيوسياسي للأردن، نتيجة غياب الدعم العربي للدولة. هذا الدور قاده الراحل الحسين بحرفية، عمل على إنتاج أرضية حقيقية للسلام مع إسرائيل قبل توقيع معاهدة السلام بعقود، إلا أن ذلك لم يحبط الملك الحسين، ولم يمنعه من الاستمرار في البحث عنه بإعتباره الإنجاز الوحيد في حياته! لكنها أثمرت في النهاية معاهدة سلام أردنية اسرائيلية، بنى عليها البعض الكثير من الامال والطموحات، لكنها سقطت مع صوت الرصاصات التي اخترقت جسد رئيس الوزراء اسحاق رابين، ورحيل الملك الحسين. ومعها انتهى الزخم والعمل الدبلوماسي الأردني الحقيقي، بحيث انتقل من الفاعلية إلى الجمود، ومن طرح الأفكار والمشاريع، إلى انتظار التوجيهات، ومن الموقع الاستراتيجي المهم إلى الموقع الوظيفي الخدماتي.

لهذا جاء كتاب ينحت في هذا الاطار القائم على فكرة تأصيل ديناميكية منهجية قادمة، لا تاريخية سردية، ديناميكية تدعو لإبتعاث استراتجية أردنية هجومية ودفاعية في عين الوقت، بمواجهة تفكير اسرائيلي توسعي، تهجيري، أحادي الرؤية، تفكير يرى الأردن بمثابة حديقة خلفيه له، خاصة، مع اعتماد إسرائيل استراتجيات جديدة في التعامل مع الأردن، بعد ما سمي بالربيع العربي.

في سياق آخر بعيد عن النظام وعلاقته مع دولة الاحتلال الصهيوني، يؤكد البراري على أن معاهدة السلام حصرت بالنظام، ولم تمتد إلى الشعب، بمعنى أنها لم تكُ ذات تاثير شعبي حقيقي، حتى بعد عشرين عاما على توقيعها. غياب التأثر عمل على أرباك النظام ومنعه من رسم ملامح سياسية حقيقية وواضحة تبين خطوط علاقته مع إسرائيل، سيما وأن تطبيع العلاقات بين الدولتين، لم يلحق به تطبيعاً شعبياً، فنظرة العداء لإسرائيل أزدادت، وأتسعت رقعتها.

أهم ما طرحه البراري حمله القسم الرابع من كتابه، مستعرضاً طروحات وأسئلة، تستحق التوقف والتأمل، فهو يرى أن السلام الإسرائيلي الأردني سلام أمني بارد، ولم يكن في يوم من الأيام دافئ أو شعبي، برود ارتبط بعجلة المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية وحركتها، لا بمصلحة الأردن واستراتجيته، فتسارع العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية يعني ضمنياً تسارعاً أردنياً، وتباطؤها، يمتد للأردن ويؤثر فيه.

أخيراً: صحيح أن العنوان اشكالي، جعل البعض يعترض عليه، فوصف العلاقة بين البلدين بالمضطربة، كنتيجة لإلتهاب الإقليم، لا يتناسب مع حقيقية العلاقة الأردنية الإسرائيلية، بمعنى أن المعترضين على العنوان اعتبروا اضطراب الإقليم متن العلاقة بين الجانبين. إلا أن هؤلاء، اسقطوا من معارفهم أن وجود إسرائيل في المنطقة منذ البداية كان ومازال وسيبقى العنصر الأساس لإضطراب الإقليم واشتعاله.

نظرة هؤلاء - للأسف - جاءت نتيجة عدم اطلاعهم على الكتاب وانكارهم الغريب لادوارهم في انتاج هذه المرحلة بسلبياتها، وكانهم بذلك يهربون منها، لانهم ينظرون لها باعتبارها منطقة محرمة لا يتوجب نقاشها، هذه النظرة عملت على اسقاط الاسئلة التي يثيرها الكتاب من مخليتهم، ليحصروها في خانة نظرتهم للمرحلة باعتبارها شرا لابد منه.

الا ان الحقيقية ان الكتاب عمل على اثارة الاسئلة لمن يبحث عن الاجابة، بقدر ما اثارته من أتربة وأوهام، حالت دون وصولهم إلى أستار الفهم، وأعاقت من رؤيتهم.

اخيراً: يبدو الأردن اليوم غائباً، وبشكل ملفت عن المخططات الإسرائيلية، لذا نسأل هل ثمة قواعد استراتجية أردنية حقيقية يمكن رفعها لمواجهة المشاريع الإسرائيلية، في حال تخطت هذه المشاريع، ومست الأمن الأردني، وهددت استقراره واستمرارية بقائه.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير