معان … القفز فوق الألم
العنف المجتمعي دخيل علينا، وعلى عاداتنا وتقاليدنا، هكذا يطل المسؤولين لتبرير تقصريهم، على خلفية أحداث الشغب التي شهدتها مدينة معان،إلى الجنوب من العاصمة الأردنية عمان.
بصراحة مللنا التصريحات بغض النظر عن ألوانها ورأياتها وأصحابها، خاصة تلك التي تربط بين كل تصرف أهوج أحمق بالعادات والتقاليد والعشائر، دون ان تربط ذلك، بغوغائية بعض المسؤولين وتصرفاتهم المتسرعة.
أيستطيع أي منا اليوم أن يحدد ماهية هذه العادات والتقاليد التي دخلت عنوة إلى مجتمعنا الأردني لتجلعه يخرج من ثوبه بين الفينة والاخرى، ما كان لها كبير الأثر في فقدان الشعب لثقته بجدوى حكوماته، ألم يتم تفريغ العادات والتقاليد حتى أضحت شكلاً ظاهرياً دون مضمون جوهري.
أحداث معان حلقة متصلة بسلسة من الأحداث لا يمكن القفز عنها أو استثناؤها، لها علاقة بالظلم الاجتماعي الذي طال المواطن الأردني، أينما وجد، خاصة في ظل وجود حكومات نزلت علينا بالبرشوت، لا تحمل في جعبتها أي شيء غير رفع الأسعار واستغلال المواطن ،بما يخدم مصالح استمراريتها.
حلقة العنف المجتمعي لم ولن تنتهي، بمجرد انتهاء ازمة محافظة معان، خصوصا في غياب المشاريع الحقيقية، وحلول مدروسة لها، هذه حقيقة واضحة كما الشمس لا نستطيع إنكارها أو تخطيها.حادثة معان وما رافقها تصرف غير مسؤول قام به” البعض “ لا يمكن تعميمه على المجتمع الأردني برمته.
المجتمع الأردني يعاني الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، هذه المشاكل تبقى ساكنة خامدة إلى أن تحدث مشكل حيث يتم ربطها بما يعانيه المواطن،وما توالي الحوادث في محافظة معان، الا تلخيص لهذا الشعور، الذي تشترك به جميع محافظات المملكة.
عودة إلى الحلول التي يتوجب أن تبنى على سياسات العقاب، العقاب لابد له أن يطال الجميع بداية بالمسؤول، وكل من تسول له نفسه الإساءة للبلد، وبلا استثناء.
هذا يتطلب منا أن نعطي حيزا كبيراً للقانون ليأخذ مجراه، قانون، لا ينظر الى الازمات المتطورة التي باتت تهدد الاردن، من عين الشلليلة والمحسوبية، والمصالح الشخصية، قانون، يحاسب المسؤول ان قصر في واجباته، قبل ان يعاقب المواطن، قانون غير خاضع لمنطق فنجان القهوة وعباءة وشيخ القبيلة، والعادات والتقاليد وأصحاب الدولة والمعالي والسعادة، الذين لا ينظرون الى المواطن الا في حال احتياجهم له.
أليس القانون فوق الجميع، لا يفرق بين ابن جرش وابن عمان وابن الرمثا وابن العقبة والسلط والكرك، فالجميع ينبغي أن يكونوا سواسية، يستظلون بظله، فلا يتغول أحد على الدولة، مهما علا شأنه أو شأن عشيرته أو تضخم جيبه، او كبر “كرشه”.
لكن الحاصل اليوم للأسف الشديد وجميعنا يعلم به حتى ولو أنكره أو حاول أن يجمله، فالدولة قزمت أمام العشيرة، والعشيرة اغلى دورها على يد بعض المستفيدين من النظام واجهزته، والاجهزة على الاغلب بات مسؤولوها يفضلون مصالحهم الشخصية على مصالح الوطن، هذا الأمر أصبح واقعياً على الأرض .
قد يقول قائل هذا غير صحيح فالقوانين موجودة، فنقول له نعم هي موجودة، لكنها حبر على ورق، لا يغني ولا يسمن من جوع. فهل يعاقب مثلا ابن فلان الوزير، ان اخطأ، كما يعاقب المواطن العادي، وهل يعالج مثلا ابن المسؤول الفلاني ان ادمن المخدرات، كما يعالج احد المواطنين.
البعض يلوم محافظة معان، واهلها الكرام، على الاحداث، لكن هؤلاء تناسوا ان الدولة، هي من مهدت الطريق لتمرد بعض الفئات، التي لم يتم مواجهتها مباشرة، هذه الفئات، تمردت، وتجبرت، سيما وانها فعلت الكثير من الامور، لكن هذه الافعال، لم تجد يدا حديدية، تمنعها من غيها، اذ استهانت باجهزة الدولة، ومؤسساتها.
في كل محافظات المملكة، تم القاء القب على العديد من مسببي الشغب والمشاكل، والجرائم، وقضايا الفساد كذلك، ماذا حل بهم ؟ هل تم الزج بهم في غياهب السجون، أم تم إطلاق سراحهم بعد أيام معدودة بمقابل التوقيع على تعهدات بعد الشروع بإعمال أخرى، سيما بعدما تدخل بعض أصحاب المعالي، والنواب والشخصيات المجتمعية، وكبار شيوخ العشائر لإخراج هؤلاء، لتقفل غالبية الملفات وتقيد الجرائم ضد مجهول. أين ذهب القانون الذي نتشدق دوما به.
هذا التهاون اسفر عنه عجز في تطبيق القوانين العقابية على هؤلاء، فتح الباب على مصراعيه أمام الآخرين للقيام بإعمال تهدد الأمن والاستقرار، خاصة وأنهم مؤمنون بقوانين فنجان القهوة وشيخ القبيلة ولا يكترثون لأحد.
ان عقاب بعض المسؤولين على تصرفاتهم، وغيهم، وسوء اعمالهم، اهم واولى من عقاب اهالي محافظة معان، الذين ازدادت شكواهم وشكوكهم في أهلية المسؤولين لإدارة الذين لا يمتلكون الا ادوات الترهيب والتخويف، لكل من لا يتوافق مع رؤيتهم.