إلى أين نحن ذاهبون.. وفي أي اتجاه سائرون؟
انه سؤال لا يقل صعوبة عن العبارة الأكثر تداولاً وشعبية بين سكان هذا البلد وهي: (شو في.. ما في... شو الأخبار) والتي انتهت بهم لأن يهدروا ما تبقى لهم من معرفة متواضعة عن الحاضر إكراما لفتات الموروثات السالفة, وهو سؤال سيزيدهم ضياعاً عبر الكم الهائل من الإجابات التي ستتنطع للإجابة عليه من ممثلي الأحزاب والعشائر والنقابات و الرويبضة، حيث لن يحتاج فرسانها إلى جهد كبير في إلقاء تبعية كل هذه الإحباط والفشل وتردي الأوضاع العضال على ذلك الآخر المختلف, لهذا سيكون من العبث انتظار الحصول على إجابة شافية لمثل هذا السؤال الذي كثيراً ما طرح أمام أمم ومجتمعات شتى، وعبر الإجابات المسئولة والشجاعة تمكنت تلك الأمم من تجاوز محنها صوب الدروب الآمنة.
لقد انقضت سنوات على عودة الحياة البرلمانية إلى الأردن, وانتهاء عهد الإحكام العرفية البغيض شكليا، وتشكلت عدة حكومات عبر عدة دورات انتخابية ، لكن ممثلي الشعب مصرون جميعاً وبلا استثناء على صواب وعبقرية مواقفهم وقراراتهم، وأنهم جميعاً ورغم كل هذه الأرقام الفلكية عن الفساد والفشل؛ قد بذلوا كل ما في وسعهم من اجل خدمة الشأن العام.
في هذا الوطن المحكوم بالانتصارات والمآثر التاريخية، لا مكان للهزائم والفشل، إنها جزء من طقوس جماهيرية ورسمية راسخة تتعزز يوماً بعد آخر ببركات ساستنا, وعلى الرغم من الانتشار الواسع لهذا المصطلح (المسؤول) والذي تشهد على فتوحاته الخاطفة ومواكبه الاستعراضية الصاخبة شوارع وساحات عمان والمدن الأردنية الأخرى، إلا أن أي منهم لا يتحمل أية مسؤولية عن ما حصل من أحداث وأزمات سياسية واقتصادية وخدمية, ويبدو أن سبب كل هذا التنصل عن تحمل المسؤولية يعود إلى أن الإخفاقات والهزائم قد لحقت بكيان خرافي اسمه (الوطن) ولم تلحق بكيانات ما قبل (الأمة – الدولة) والتي تقلدوا المسؤوليات من أجل خدمتها, لذلك لا يمكن إلقاء اللوم على (المسئولين الجدد) فيما وصلت إليه العملية السياسية من مأزق، لأن برامجهم وأهدافهم الفعلية لا تمت بصلة لما كان يدور في مخيلة الآباء المؤسسون للهوية الأردنية من نسيج (خلف وحمد ) وسلالتهم المنقرضة, ولأنه زمن (تسترد فيه الرويبضة مفاتنها) وتشجب فيه بالمقابل الهموم المتعلقة بالمفردات الدخيلة القادمة من خلف البحار، فلا أمل يرجى من كل هذه الجهود لاقتفاء أثر المسئولين عن كل ما حصل وما سيحصل قريباً.
إلى أين نحن ذاهبون وفي أي اتجاه سائرون؟ سؤال يلتصق بالباب الرئيسي للفكر والعقل ولكل من له عقل وفكرٌ في هذا الوطن وكل من يتعدّى بصره وبصيرته موقع القدمين إلى الزمن البعيد والزمن القريب المقبل, ومن هذا السؤال تولد أسئلة، كيف هو المستقبل على هذه الأرض وفي هذا الوطن؟ ما هو مستقبل أحفادي والأطفال من أبنائي وبناتي؟ هل سيبقى الوطن مستقراً آمناً مترابطاً متماسكاً؟ هل سيكون للأجيال من أحفادي فرصة للعمل والكسب وتأمين حياةٍ كريمة؟
هل ستجد ابنتي حياة اجتماعية كريمة تنعم فيها بالاحترام والتقدير لذاتها وقدراتها ومساهمتها في العمل والإنتاج وبناء المجتمع، أم ستظلّ قابعة في زاوية من زوايا الحريم في هذا المجتمع؟
هل سيكون بمقدور أبنائي وأحفادي، ذكوراً وإناثاً، المشاركة الإيجابية في بناء الوطن وصنع القرار؟
هل سيكون لرأي أبنائي وأحفادي وزن في معادلة القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي أم أنهم سيكونون كما نحن، هامشاً في معادلة القرار؟ هل سيكون هنالك ماءٌ عذب يكفي لهذه الملايين القادمة من الأطفال الّذين يولدون كل ثانية؟ هل سيكون هناك ثروات طبيعية تغذي مالية الدولة ويجعلها قادرة على الإنفاق من أجل التنمية وبناء الإنسان؟ هل وهل وهل، أسئلة تتطاير في فضاء الفكر والهاجس قبل أن تفتح عينك من نوم أيقظتك منه أسئلة غلاظ.
هذه أسئلة تتطاير كالسهام في كل وطن يشعر فيه مواطنوه باهتزاز الأرض تحت أقدامهم بسبب غياب الأعمدة الإستراتيجية الصلبة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية الّتي تبنى عليها الأوطان ذات الحصون المتينة والمنيعة والسقوف العالية الرفيعة, بنيانٌ لا يسمح لأيٍ من تلك الأسئلة المقلقة أن تخترقه وتنفذ إلى قلوب وعقول ساكنيه من المواطنين، تقضّ مضاجعهم وتسكن الخوف من المستقبل في قلوبهم, نحن في هذا الوطن لم نبن هذه الأعمدة الراسية التي تحمي قلوبنا وعقولنا من هذه الأسئلة الغازية وتعطينا الأمل والحلم في وطنٍ يشتد بنيانه ويُؤسس على أعمدة وقواعد قوية وصلبة يحمينا من البراكين والهزات الأرضية، وطنٌ نعيش فيه وتعيش فيه الأجيال بأمان واطمئنان , سؤالي هو إلى أين نحن ذاهبون؟ وهل هناك من يفكّر إستراتيجياً؟
أنا أرى أننا ذاهبون إلى المجهول وأنه لا يُوجد من يفكر إستراتيجياً, اذا لماذا وكيف أنا أفكر بذلك؟