الفساد كيف يبدأ, وكيف ينتهي؟
إن الفساد يعني إساءة الاستخدام للمسؤولية العامة، بغية تحقيق المنافع والمكاسب لشخص ما أو لجماعة ما، ويحصل الفساد عندما يستغل الموظف العام منصبه، للحصول على المال بطرق غير مشروعة، من خلال تورطه في أفعال غير قانونية وغير أخلاقية من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للمجتمع والانتقاص من سيادة الدولة ومؤسساتها.
إن انتشار ظاهرة الفساد تعكس ضعف المنظومة الاقتصادية والسياسية والقانونية للدولة، وللتميز بين الممارسات الفاسدة وغير الفاسدة، فإن الفيصل في ذلك الشفافية والمحاسبة، إذ أن الفساد حتى عندما يتحول إلى ظاهرة عامة، فإن مرتكبيه يمارسونه تحت جنح الظلام ويخفونه عن عيون الناس, والفساد لم يعد مقصوراً على دولة دون غيرها بل أضحى شبه ظاهرة عالمية، وأن اختلفت درجة تفشيه، وبمعنى آخر لا تنفرد دولة دون سواها بالفساد، فالدول على مستوى المعمورة تعاني وبدرجات متفاوتة من مشكلة الفساد، والفساد يكتسب أشكالاً عدة بما في ذلك الرشوة والمحاباة والمحسوبية ونهب أموال الدولة، والتهرب الضريبي، وتبييض الأموال، وتزوير الانتخابات، والمقصود بالرشوة التماس المال من قبل الموظف أو المسئول لقاء تقديم الخدمات، لدافعي الرشوة، كتنظيم العقود الحكومية، وتخفيض الضرائب، والحصول على التراخيص الحكومية، وإقدام بعض موظفي الدولة على سرقة المال العام، وهم المؤتمنون عليه، يعد أيضاً شكلاً من أشكال الفساد الذي تتم ممارسته على عدة مستويات من بينها:
- الفساد الذي يمارس على المستوى الوطني.
- الفساد الذي يمارس على المستوى الدولي.
- الفساد على المستوى الأدنى الذي يُمارسه صغار الموظفين.
- الفساد على المستوى الأعلى الذي يمارسه كبار المسئولين.
والفساد تتم ممارسته من خلال دفع المال لبعض المسئولين تسهيلاً لقيامهم بواجباتهم الوظيفية، وتقديم الهدايا الثمينة والرشاوى لبعض المسئولين نظير الأفعال غير القانونية, وهناك علاقات ارتباط وسببية بين مستويات الفساد كافة التي ترتبط بعدة عوامل من بينها:
- العوامل السياسية: وفي ظلها تتباين مستويات الفساد صعوداً وهبوطاً تبعاً لقوة أو ضعف الحريات المدنية، لاسيما حرية الصحافة واستقلالية وسائل الإعلام كافة، وحرية نشاط مؤسسات المجتمع المدني من عدمها، وطريقة تنظيم الحملات الانتخابية, والتي تشكل مجتمعة مدخلاً للفساد.
- العوامل القانونية: يتناسب الفساد وغياب التشريعات. فإذا كانت القوانين واضحة صارمة، فإن من السهولة بمكان اكتشاف حالات التورط في الفساد. وتطبيق القانون يتوقف إلى حد كبير على مصداقية الأجهزة القضائية والرقابية، ومدى قدرتها على مكافحة الفساد، وبغيابها تعم ظاهرة الفساد.
- العوامل البيروقراطية: تشكل البيئة البيروقراطية مرتعاً للفساد، وكلما كثرت القوانين والتعليمات وتداخلت مع بعضها بعضاً، كلما كثرت محاولات الالتفاف عليها من قبل المسئولين الحكوميين، لاسيما في ميدان الخدمات والدوائر المالية والضريبية، وتتوقف مساحة الفساد على مدى الصلاحيات التي يتمتع بها المسئول الحكومي، وعلى مدى محاسبة المسئولين عن القرارات التي يتخذونها بعيداً عن روح القانون، أي كلما زادت الصلاحيات وتراخت المحاسبة كلما اتسعت رقعة الفساد.
- العوامل المعيشية: يتناسب الفساد طرداً وضعف الأجور والرواتب التي يتقاضاها الموظفين الحكوميين، الذين تنفتح شهيتهم، فيتورطون في الممارسات الفاسدة، وكلما قل احتمال انكشاف الفساد، وكلما انخفض الثمن المدفوع لدى انفضاحه كلما زاد احتمال حصوله.
- العوامل الاقتصادية: تتسع رقعة الفساد في الأنظمة التي تحتكر المؤسسات الاقتصادية المفصلية التي تهيئ للمسئولين فرصاً مواتية لمعرفة ما هو مستور من الأمور، فيستغلونها لتحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة، ومصالح الفئات التي تتحالف معهم, وتتصل العوامل الاقتصادية اتصالاً وثيقاً بالعوامل البيروقراطية، التي تؤسس لعلاقات اقتصادية، تتسم بالاستغلال نتيجة غياب المشاركة والشفافية والمحاسبة، حيث تستغل العقود الحكومية والإعفاءات الضريبية لتحقيق المنافع الشخصية.
- العوامل الانتقالية: عندما ينتقل الحكم من الدولة الشمولية البيروقراطية إلى الدولة الوطنية الديمقراطية، ومن الاستبداد إلى الحرية، فإن الفساد سرعان ما ينكشف,وتتحجم ظاهرته فتتحكم فيه مؤسسات المجتمع وتوقف استبداده .. إلى درجة أن رجال الأعمال يفضلون دفع فاتورة الفساد( الرشاوى بكافة أشكالها ) إلى دائرة الضرائب , طالما أنهم ضمنوا أن مصالحهم ستكون على ما يرام.
- عوامل الإعانات والمساعدات الاقتصادية: تستغل الدول التي تعاني من سوء التخطيط والإدارة الإعانات والمساعدات التي تقدم لها في صورة قروض وإعانات وهبات من المؤسسات المالية الدولية، فتحدث بها مؤسسات وهمية، تُسخر في خدمة كبار المسئولين، في ظل غياب المحاسبة والشفافية.
وهذا المقال أردت من خلاله أن القي الضوء على مشكلة وأنواع الفساد في الأردن والتي أصبحت تؤرق معظم الأردنيين , وأصبحت شغلهم الشاغل في كيفية معالجتها ومحاربته, والعودة إلى الطريق الصحيح في مسيرتنا السياسية والتنموية, حتى لا نكون كجن سيدنا سليمان كما ورد فيهم الآية الكريمة: بسم الله الرحمن الرحيم (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) صدق الله العظيم.
فنحن لا ندعي علم الغيب فعلم الغيب بيد الله وحده, ولكن الكيس من اتعظ من غيرة, فلا نريد أن تصل أمورنا في ارض الحشد والرباط أن يأكل الفساد منسأتنا, فنخر ونندم على سكوتنا عن هذه الظاهرة ونلوم أنفسنا على عدم محاربة الفساد, يوم لا ينفع ندم.
أتمنى على كل صاحب قرار أن يضع نفسه محل اى مواطن عادى ويتخيل كيف يعيش المواطن العادي في ظل دخلة المتواضع, وإذا فعل ذلك أكيد سوف يحس بمدى معاناة المواطن الذي لا يملك قوت يومه، ولكن للأسف الحياة جعلت أصحاب القرار لا يرون ما لا يحبون بل يرون ما يحبه السفهاء الملازمون لهم كي لا يرى ما هو حقيقي, وفى غفلة من الزمن ينتفض المحكومين بثورة هي ثورة الجوع ، (ربنا احمي بلادنا من هذه الثورة التي تحرق الأخضر واليابس) ليفتكوا بهم وهم لا يعرفون سبب ذلك لان بصرهم عاجز عن أن يروا الحياة بين فقراء شعبهم