ثورة مصر الى أين تتجه !
فرحة كبيرة عمت أرجاء الدول العربية شعوبا وليس أنظمة ،حين غادر مبارك الحكم بعد إصرار الشعب البقاء في الساحات ، وأمسك الجيش بالسلطة وحقن الدماء واعتقل غالبية اركان الحكم وعلى رأسهم الرئيس مبارك وابنائه ومنعهم من السفر ، فقاد العسكر انتخابات برلمانية ورئاسية وتغيير دستور ، وتولى الإسلاميون الحكم في ظل لعبة الديموقراطية .
اخطاء كثيرة ارتكبها حكم مرسي " وبدأ أنه رئيس للجماعة الإسلامية فحسب وليس لعموم الشعب المصري بكل فئاته وقواه ، وبدات معها معركة " الجماعة " في تصفية الحسابات مع القضاء والإعلام والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني واخرها الازهر ،ولم تدرك الجماعة أن مصر "أعمق " من أن ينالها حكم المرشد بمعزل عن تلك القوى " التاريخية " لمصر ،فانشغل الاسلاميون بتلك المعارك طوال عام واحد من حكم مرسي ولم يتنبهوا الى الجيش ، بل عمدوا الى إقالة وزير الدفاع الطنطاوي الذي كان أمينا في الفترة الإنتقالية على تسيير البلاد وابعاد شبح الفوضى عنها ، واشرف على انتخابات برلمانية ورئاسية بكل نزاهة وتسليم الحكم للإسلاميين الذين بدأوا مباشرة بتصفية الحساب مع الجيش عبر إقالات طالت كبار الضباط ورؤساء أركان الجيوش ،و لنتذكر بأن رفض الجيش الوطني المصري استعمال قوته لصالح نظام ما قبل الثورة كان عاملا حاسما في نجاحها الأولي.
معركة تصفية الحسابات بين الإسلاميين والقوى الوطنية والجيش والمنظمات المدنية والإعلام والأزهر والجامعات لم ترضي جموع المواطنين فخرجوا في ثورة عارمة للمطالبة باقالة مرسي بعد عام من حكم "المرشد ونائبه "ومطالبة الجيش بتولي الحكم لفترة انتقالية وأصابع الناس تتجه للفريق عبدالفتاح السيسي الذي أتى به مرسي نفسه ،حيث لم يتوان السيسي عن التحرك ، فقام بعملية انقلاب عسكري " سلمي " واسقط حكومة الإخوان واعتقل قياداته .
اخطاء ارتكبها الأسلاميون ، ويتحملون وحدهم ما آلت اليه حال مصر ، ومن تلك الأخطاء - ان الحركة لا تملك الفهم السياسي المطلوب للواقع الانتقالي الثوري، ولا التعاون أو التكافل المتناغم المضحي غير الأناني، ولا استشعار المسؤوليات التاريخية المفصلية في حياة الشعوب التي تحـــتاج لنمط نضــالي خاص به، ولا القدرة حتى على التسامح المؤقت من أجل أهداف كبرى عظيمة، ولقد تمثلت جميع نقاط الضعف تلك في فترة حكم الإسلام السياسي القصير المليء بالأخطاء، الذي أضاع فرصة تاريخية لبناء تفاهم إسلامي ـ قومي ـ ليبرالي يساري من أجل إنجاح الفترة الانتقالية للثورة على غرار ما جرى في تونس .
- من المؤكد أن لا ثورة، سواء أكانت ديمقراطية أم كانت عنيفة، تستطيع أن تؤمن نجاحها ما لم يؤيدها الجيش أو على الأقل يقف محايدا تجاهها، لكن الجماعة آثرت " التحرش " بالجيش والبدء فورا بعد أقل من 4 شهور على حكم مرسي من تصفية حساباته مع قادة الجيش المصري ومن مختلف الرتب والاتجاهات ، فكان أن خسروا حيادية الجيش وجعلوهم في صف المعارضين للحكم ،خاصة أنه يسجل للجيش المصري نزاهته وحرصه على امن واستقرار مصر وعدم اطاعة نظام مبارك لاشراك الجيش في قمع المتطاهرين ،وكان ان تسلم الاسلاميين الحكم بعد اشراف وحيادية العسكر تميز بالنظافة والحيادية .
- لا يغيب عن البال أن بعض حراكات الربيع العربي قد دخلت في بوابات العنف والجهاد والقتل ، مما أثر كثيرا على واقع الثورة في مصر ،الى جانب التآمر التاريخي الدائم على كل محاولات التحرر والنهوض في مصر، قلب الأمة العربية،، كما ولعبت الظروف الخارجية أيضا دورا مهما ، فالحكم الإسلامي لم يرسل اشارات ايجابية للعالم أنه سيحترم اللعبة الديموقراطية ويلتزم بها ، بل ذهب الى تصفية حساباته مع غالبية مكونات الشعب المصري وقواه الحية وطوائفه ومنظمات مجتمعه المدني .
يبقى الآن موضوع مصير تلك الثورة ،والى أين ستنتهي في ظلال حكم ما بعد الإنقلاب ، وما يمارسه الحكم الحالي من "قبضة حديدية " تجاه المعارضة الإسلامية في الشارع واعتقال المزيد من الشبان ووضع مصر في حالة أزمة مستمرة وسط استغلال الحراكات التكفيرية لتلك الفوضى وتوجيهها ضربات "مؤلمة " للحكم والجيش ووسط أزمة اقتصادية تشهدها مصر .
فهل ستتجاوز مصر تلك التحديات وتخرج من عنق الزجاجة !