الطبيب الأردني
علي الحراسيس
جو 24 :
توفر وزارة الصحة و الخدمات الطبية الملكية للمئات بل الألاف من الشباب في البلاد فرص الدراسة والتدريب والاختصاص في كبريات الجامعات والمستشفيات وتنفق عليهم ملايين الدنانير سعيا وراء تمكينهم وتزويدهم بالخبرة اللازمة للعودة وخدمة ابناء وطنهم ، وماهي إلا بضعة سنين حتى يفكرالطبيب الاختصاصي العامل في تلك المؤسسات بالانسحاب من العمل في المستشفيات الرسمية ،سواء بدفع ما عليه من التزامات تجاه تلك المؤسسات واحيانا كثيرة لا يدفع بسبب الواسطة بإعفائه من الالتزام ، كي يلتحق مع زملاء له قرروا هذا سابقا وينالوا المزيد من المال والمتاجرة بهذه المهنة الإنسانية والانتقال للعمل الخاص او السفر للعمل في الخارج ، في تراجع اخلاقي مهين ومسيء للعمل الإنساني الذي يمارسونه ، فيتحول الطب الى سلعة لمن يدفع ثمنها ،ويضربون ايضا بعرض الحائط التزامهم الأخلاقي والوطني وولائهم وانتمائهم لشعبهم .
كانت المفاجاة أن قررت نقابة الأطباء رفع اجوركشفية الاطباء العامين ، وهذه مقدمة لرفع كشفية اطباء الاختصاص ورفع اجور العمليات وستلحق بهم المستشفيات الخاصة لممارسة نفس الاسلوب وتتضاعف معاناة الناس خاصة منهم من غير الحاصلين على تامين صحي او حتى الحاصلين منهم فمعاناتهم وان كانت اقل ، فانهم يعانون ايضا و ينتظرون هذه الأيام شهورا كثيرة ليحصلوا حتى على صورة اشعة تكشف معاناتهم في مستشفياتنا الرسمية او الخدمات الطبية بسبب الاكتظاظ او هروب الاطباء ذوي الاختصاص .
الطبيب الاختصاص يحصل ما متوسطه على 3 - 4 الاف دينار من عملية جراحية صغيرة او متوسطة خلال ساعة او ساعتين ، ( ناهيك عن الأف الدنانير التي يحصلون عليها من العمليات الكبرى ) وهو ما يعادل أجرة عامل البناء اوعامل وطن يعمل في اسوأ ظروف الحر والبرد طوال العام او طوال خمسة اعوام او حتى المعلم الأردني و كذلك ابناء الوطن من مؤسساتنا العسكرية !
لا نتحدث عن ضرورة مساواة رواتب عمال الوطن او المعلمين او العسكر في الأردن بالاطباء ، رغم انه واجب كما تفعل دول مثل المانيا واليابان او غالبية الدول الحره التي تحترم قوة عملهم وادائهم وتضحياتهم ، نتحدث عن فروق عظيمة بين تلك القطاعات التي تخدم الوطن والتي تكرس الطبقية والصراع والظلم والتهميش ، ولا نريد ان نجرد احد من انتمائه لوطنه وشعبه حين يفر من الخدمة العامة ، لكن ما يجري من ممارسات التهرب من الخدمة العامه والتهرب الضريبي ورفع اسعار المعالجة تؤكد ان الطب في بلادنا تحول الى تجارة وسلعة وطرق فساد وظلم وغياب الجانب الإنساني فيها وتحولت معها نقابة الأطباء الى غرفة تجارة !.
حين دعت النقابات المهنية لرد ورفض قانون الضريبة والتوجه الى " الرابع " ، كان البعض يقول ان اولئك المهنيين من اطباء ومهندسين واطباء اسنان وغيرهم انما تحركوا ضد قانون الضريبة كي لا يدفعوا ما يمليه عليهم واجبهم تجاه وطنهم من ضرائب ، فالطبيب الاختصاص الذي يجري 6 او 10 عملية جراحية في الشهر لا يعترف إلا ب 2 او 3 عمليات للتهرب من مستحقات الضريبة ولذلك تحركوا ! وهذه مقولة باتت اقرب للصدق ، فالذي يقرر مثلا رفع اسعار كشفية الاطباء العاميين دون العودة الى الجهات التشريعية والاتنفيذية والتشاور لا يمكن له ان يفكر بحالة ومعاناة ابناء وطنه ، فكانت جماهير " الرابع " بالرغم من عفويتها وخروجها للدفاع عن مصالحها " أداة " للدفاع عن مكاسب المهنيين ايضا ومساعدتهم على التهرب الضريبي بكل اسف .
ما احوجنا الى تنظيم عمل الاطباء والتدخل بتسعيرة العمليات والكشفية واجرة المشتشفيات من قبل الحكومات ومراقبة اعمالهم وتغليظ العقوبة على كل متهرب من دفع الضريبة اوالتهرب من خدمة وطنه بعد ان قدم له الوطن الرعاية والدراسة والتدريب المجاني حتى يقرر دون ادنى انتماء لوطنه ومحبة لشعبة المتاجرة بارواحهم ومعاناتهم والانتقال للعمل الخاص سعيا وراء التكسب وان لا يكون المعيار للالتزام هو دفع المستحقات المالية فقط للانسحاب من العمل ، ونقف هنا اجلالا وتعظيما لكل طبيب يرفض ممارسة تلك السلوكات ويواصل خدمة وطنه وشعبه لمعرفته بظروفهم وحاجتهم للمساعدة بعيدا عن الجشع والطمع الذي اصابهم وعانى الناس منه الآما وعذابات كثيرة حالت دون علاجهم والتخلص من الآمهم .