احتواء !
د. لانا مامكغ
جو 24 : مشهدٌ واحدٌ ظلّ يستوقفها وما زال في بعض الأفلام الأجنبيّة، وهو عندما يُضطر أحدهم لتعطيل قنبلةٍ أو شحنةٍ ناسفة ... حين يسعى بقلبٍ واجف وعرقٍ متصبّب وأعصابٍ مشدودة لفصل السلك المطلوب والحيلولة دون وقوع الكارثة !
فهي حين تستعرض شريط حياتها، ترى أنّها عايشت التجربة ذاتها منذ طفولتها لمّا كانت كثيراً ما تنزوي مذعورةً في أحدى الزوايا لمّا كان يرتفع صياح أبيها مجلجلاً في أنحاء المنزل، فتدرك أنّ أمها لم تنجح تلك المرّة في فصل السلك إياه ... لتسمع فيما بعد العبارة التبريرية المكرّرة : « أبوكم عصبي ... لكن قلبه طيّب « !
ثمّ كبرت وتزوجت ممّن تصادف أن غمرها بدماثته وهدوئه الّلافت ... لتكتشف فيما بعد أنّ غضب أبيها كان نزهةً ربيعية قياساً لغضبه هو، إذ كان إنْ غضب رمى كوب الشاي الساخن الذي أمامه نحو الجدار ... أو منافض السجائر باتجاهها إن هي حاولت النقاش ... وتذكر جيداً أنّه دخل إلى المطبخ غاضباً ذات يومٍ رمضانيّ بسبب طبق فتوش ... فتناول طنجرتين من على الغاز المشتعل ليدلق الطعام السّاخن في أرجاء المطبخ وهو يلعن ويصيح بأعلى صوته حتى سمعه الجار السابع !
مع ذلك، كثيراً ما كانت تتقمّص شخصية أمّها فتردّد لنفسها وهي تلهث متعبةً من لمْلمة وإزالة آثار العدوان : « رغم عصبيّته ... لكن قلبه طيب « !
ومرّت السنوات إلى أن كبر ابنها وتزوّج ممّن بدت لها خلوقةً وديعةً هادئة ... ثمّ وبحكم الجوار، بدأت تسمع صُراخها يخرج حادّاً ومدوّياً بسبب الأطفال مرّاتٍ عديدة في اليوم، إضافةً إلى حالاتٍ من الغضب الهستيري كانت تنتابُ الشابّة لأسبابٍ لم تكن لتفهمها هي، وإن كانت تحاول في كلّ مرّةٍ فصل السلك المطلوب ... لكن الحالة كانت توحي بوجود شبكةٍ من التوصيلات المعقدّة المستعصية على الفصل !
وفي غمرة الإنهاك النفسي الذي كان يلتهم ما تبقّى من كتلتها العصبية كانت تردّد لنفسها : « لا بأس، الصبيّة عصبيّة ... لكن قلبها طيّب « !
الآن، وقد تقدّم بها العمر، فانحنى الظهرُ، وشحّت الطاقة، وذبُل القلب ... صارت تتمنّى وتدعو الله للأجيال اللاحقة، أن يوفّق علماء الهندسة الوراثية ليستأصلوا الجين المتسبّب في الغضب السّاطع داخل القنابل البشرية ... أو أن يتمكنوا، على الأقل، من القضاء المبرم على الجين اللعين الآخر المسؤول عن فنون الاحتواء !الرأي
فهي حين تستعرض شريط حياتها، ترى أنّها عايشت التجربة ذاتها منذ طفولتها لمّا كانت كثيراً ما تنزوي مذعورةً في أحدى الزوايا لمّا كان يرتفع صياح أبيها مجلجلاً في أنحاء المنزل، فتدرك أنّ أمها لم تنجح تلك المرّة في فصل السلك إياه ... لتسمع فيما بعد العبارة التبريرية المكرّرة : « أبوكم عصبي ... لكن قلبه طيّب « !
ثمّ كبرت وتزوجت ممّن تصادف أن غمرها بدماثته وهدوئه الّلافت ... لتكتشف فيما بعد أنّ غضب أبيها كان نزهةً ربيعية قياساً لغضبه هو، إذ كان إنْ غضب رمى كوب الشاي الساخن الذي أمامه نحو الجدار ... أو منافض السجائر باتجاهها إن هي حاولت النقاش ... وتذكر جيداً أنّه دخل إلى المطبخ غاضباً ذات يومٍ رمضانيّ بسبب طبق فتوش ... فتناول طنجرتين من على الغاز المشتعل ليدلق الطعام السّاخن في أرجاء المطبخ وهو يلعن ويصيح بأعلى صوته حتى سمعه الجار السابع !
مع ذلك، كثيراً ما كانت تتقمّص شخصية أمّها فتردّد لنفسها وهي تلهث متعبةً من لمْلمة وإزالة آثار العدوان : « رغم عصبيّته ... لكن قلبه طيب « !
ومرّت السنوات إلى أن كبر ابنها وتزوّج ممّن بدت لها خلوقةً وديعةً هادئة ... ثمّ وبحكم الجوار، بدأت تسمع صُراخها يخرج حادّاً ومدوّياً بسبب الأطفال مرّاتٍ عديدة في اليوم، إضافةً إلى حالاتٍ من الغضب الهستيري كانت تنتابُ الشابّة لأسبابٍ لم تكن لتفهمها هي، وإن كانت تحاول في كلّ مرّةٍ فصل السلك المطلوب ... لكن الحالة كانت توحي بوجود شبكةٍ من التوصيلات المعقدّة المستعصية على الفصل !
وفي غمرة الإنهاك النفسي الذي كان يلتهم ما تبقّى من كتلتها العصبية كانت تردّد لنفسها : « لا بأس، الصبيّة عصبيّة ... لكن قلبها طيّب « !
الآن، وقد تقدّم بها العمر، فانحنى الظهرُ، وشحّت الطاقة، وذبُل القلب ... صارت تتمنّى وتدعو الله للأجيال اللاحقة، أن يوفّق علماء الهندسة الوراثية ليستأصلوا الجين المتسبّب في الغضب السّاطع داخل القنابل البشرية ... أو أن يتمكنوا، على الأقل، من القضاء المبرم على الجين اللعين الآخر المسؤول عن فنون الاحتواء !الرأي