الموظفة
د. لانا مامكغ
جو 24 : المكان : أحد البنوك ، الزّمان : التاسعة صباحاً ...
كنتُ أجلس بين العملاء أنتظر دوري حين لفتني وجهها الذي طغى عليه لونٌ برتقالي عجيب، فحسبتُ أنّها الإضاءة ... وإن لم أفهم لماذا يسلّط ضوء من هذا النوع المزعج على موظّفةٍ منهمكة بخدمة المراجعين؟ ؟ تمعنتُ قليلاً، فتبين لي أنّه طلاء بشرة ... ثمّ ازداد فضولي النسوي، فلاحظتُ عينيها المخطّطتين باللّون الأسود الداكن، والمتوجتين برموش صناعيّة طويلةٍ كثيفة، شكّلتا تضّادا لونيا مثيرا مع شفتيها المطليتين بلون أحمر قانٍ ...
ثمّ قرّرت نسيان المشهد لأنشغل بانتظار دوري، لكن في لحظةٍ ما، فوجئتُ بهدوءٍ طارىء طغى على القاعة المزدحمة ... هدوء لم يقطعه سوى إيقاع خطواتٍ بطيئة وحادّةٍ في آنٍ معاً ...كانت هي ... إذ مرّت أمام الحضوربحذاءٍ ذي كعبٍ عالٍ رفيع أدّى، كما بدا، إلى تلك المشية المتمايلة ... والأدهى من ذلك هو أنّها كانت قد حشرت نفسها في بنطالٍ ضيّق يجعل الناظرَ يشعر بالاختناق من بعيد !
وبخبثٍ لم أتعمّده، رحتُ أرقب الحضورالذين أداروا أعناقهم نحوها بحركةٍ توافقيّة جماعية ... فلاحظتُ رجلاً ستينيّاً يرمقها بنظرةٍ ذات مغزى، إلى أن انتبه إلى نفسه، فتشاغل بالنظر إلى هاتفه النقّال ... أمّا الشاب الذي كان يجلس قربي، فكان قد ترك الهاتف الذي كان يعبث فيه، ليمدّ عنقه ويتابع تحرّكاتها وعيناه تكادان تخرجان من رأسه ... والآخر في الجهة المقابلة، كان قد سرح فيها تاركاً شفته السفلى تتدّلى بشكلٍ كاد يضحكني بصوتٍ عالٍ، أمّا المرأتين الجالستين قربه،فراحتا تتبادلان حديثاً هامساً،عرفتُ مضمونه بالضبط !
وفيما بدا أنّها أنهت جولتها، قرّرت في لحظةٍ جهنميّة أن تعطي ظهرها للجميع، وتنحني على شباك أحد زملائها لتسأله، كما تهيّأ لي، عن موضوع ما، بدا طويلاً لأنّ الوقفة المريبة استمرّت دقائق كثيرة ... أمدّت في عمر الهدوء الذي طغى على القاعة، لحظة تحرّكت صاحبتنا من مكانها !
وبدأ طوفان من الأسئلة يجتاح رأسي، أوّلها وأبسطها : كم قضتْ هذه الموظّفة من وقت هذا الصباح حتى أكملت زينتها الباذخة هذه ؟ وكيف استطاعت حشْر نفسها في هذه الثياب ؟ وإذا استمرت ساعات دوامها حتى العصر، فكيف تتدبّرُ الأوكسجين الّلازم للتنفّس ؟
أمّا النوع الآخر من الأسئلة فكان : ماذا تريد هذه الأنثى بالضبط ؟ فإن كانت ترغب في نيل إعجاب صاحب النصيب مثلاً، فالأمر، حسب خبرتي، لا يدعو للحدّ الأدنى من التفاؤل ... وإذا كانت تنوي فقط أن ترسل رسالة خفية للآخرين مفادها أنّها جميلة، فلا أعتقد أن مهرجان الألوان الفاقعة، وحركات الإثارة الرخيصة ساعداها على إيصال تلك الرسالة ... أمّا إذا كانت تودّ، وترغب، وتحلُم، وتسعى باجتهادٍ ودأبٍ لا يعرفان الكللَ أو الملل إلى لفت النّظر ... فلقد نجحت بجدارة !
الرأي
كنتُ أجلس بين العملاء أنتظر دوري حين لفتني وجهها الذي طغى عليه لونٌ برتقالي عجيب، فحسبتُ أنّها الإضاءة ... وإن لم أفهم لماذا يسلّط ضوء من هذا النوع المزعج على موظّفةٍ منهمكة بخدمة المراجعين؟ ؟ تمعنتُ قليلاً، فتبين لي أنّه طلاء بشرة ... ثمّ ازداد فضولي النسوي، فلاحظتُ عينيها المخطّطتين باللّون الأسود الداكن، والمتوجتين برموش صناعيّة طويلةٍ كثيفة، شكّلتا تضّادا لونيا مثيرا مع شفتيها المطليتين بلون أحمر قانٍ ...
ثمّ قرّرت نسيان المشهد لأنشغل بانتظار دوري، لكن في لحظةٍ ما، فوجئتُ بهدوءٍ طارىء طغى على القاعة المزدحمة ... هدوء لم يقطعه سوى إيقاع خطواتٍ بطيئة وحادّةٍ في آنٍ معاً ...كانت هي ... إذ مرّت أمام الحضوربحذاءٍ ذي كعبٍ عالٍ رفيع أدّى، كما بدا، إلى تلك المشية المتمايلة ... والأدهى من ذلك هو أنّها كانت قد حشرت نفسها في بنطالٍ ضيّق يجعل الناظرَ يشعر بالاختناق من بعيد !
وبخبثٍ لم أتعمّده، رحتُ أرقب الحضورالذين أداروا أعناقهم نحوها بحركةٍ توافقيّة جماعية ... فلاحظتُ رجلاً ستينيّاً يرمقها بنظرةٍ ذات مغزى، إلى أن انتبه إلى نفسه، فتشاغل بالنظر إلى هاتفه النقّال ... أمّا الشاب الذي كان يجلس قربي، فكان قد ترك الهاتف الذي كان يعبث فيه، ليمدّ عنقه ويتابع تحرّكاتها وعيناه تكادان تخرجان من رأسه ... والآخر في الجهة المقابلة، كان قد سرح فيها تاركاً شفته السفلى تتدّلى بشكلٍ كاد يضحكني بصوتٍ عالٍ، أمّا المرأتين الجالستين قربه،فراحتا تتبادلان حديثاً هامساً،عرفتُ مضمونه بالضبط !
وفيما بدا أنّها أنهت جولتها، قرّرت في لحظةٍ جهنميّة أن تعطي ظهرها للجميع، وتنحني على شباك أحد زملائها لتسأله، كما تهيّأ لي، عن موضوع ما، بدا طويلاً لأنّ الوقفة المريبة استمرّت دقائق كثيرة ... أمدّت في عمر الهدوء الذي طغى على القاعة، لحظة تحرّكت صاحبتنا من مكانها !
وبدأ طوفان من الأسئلة يجتاح رأسي، أوّلها وأبسطها : كم قضتْ هذه الموظّفة من وقت هذا الصباح حتى أكملت زينتها الباذخة هذه ؟ وكيف استطاعت حشْر نفسها في هذه الثياب ؟ وإذا استمرت ساعات دوامها حتى العصر، فكيف تتدبّرُ الأوكسجين الّلازم للتنفّس ؟
أمّا النوع الآخر من الأسئلة فكان : ماذا تريد هذه الأنثى بالضبط ؟ فإن كانت ترغب في نيل إعجاب صاحب النصيب مثلاً، فالأمر، حسب خبرتي، لا يدعو للحدّ الأدنى من التفاؤل ... وإذا كانت تنوي فقط أن ترسل رسالة خفية للآخرين مفادها أنّها جميلة، فلا أعتقد أن مهرجان الألوان الفاقعة، وحركات الإثارة الرخيصة ساعداها على إيصال تلك الرسالة ... أمّا إذا كانت تودّ، وترغب، وتحلُم، وتسعى باجتهادٍ ودأبٍ لا يعرفان الكللَ أو الملل إلى لفت النّظر ... فلقد نجحت بجدارة !
الرأي