jo24_banner
jo24_banner

الفاتورة ..

د. لانا مامكغ
جو 24 : تقلّب في فراشه عدّة مرّات، ثمّ قام وتناولَ روبه الحريري، وانسلّ خارج الغرفة على رؤوس أصابعه، ونزل الدرجات الرخامية المؤدّية إلى مكتبه في الطابق الأرضي، ليدخل ويقفل الباب وراءه، ويتّخذ مقعده، ويتناول دفتراً من دُرْجٍ مقفل، ويكتب :
ليلةٌ أخرى من الأرق القاتل، أدفع ما تبقّى من عمري حتى أنام ... قال لي طبيبي الخاصّ إنّها انشغالاتي المستمرّة، فوافقته دون أنْ أجرؤ على مصارحته، فهو صدري، نعم، إنّه صدري المثقل بالأسرار، أسرار الرحلة إلى الثراء ... من البيت الصغيرالذي كان، بالكاد، يتّسع لي وللأسرة، إلى هذا المكان الذي بات يُطبق على أنفاسي رغم اتّساعه، وما زالت عبارات زوجتي آنذاك تطنّ في أذني :» بيتنا مثل القبر ... دبّر حالك يا رجل، ابنك صار يخجل من ركوب الباصات، وأصحابه في الجامعة رايحين جايين بسيارات فخمة، وبنتك ملّت من وظيفتها المتواضعة، من الصبح حتى الليل مقابل شوية دنانير... وابنك الثاني ... « وهكذا، إلى أن لاحت أمامي الفرصة الأولى، عمولة صغيرة على عطاء، ثمّ عمولة أكبر على آخر ... وكنتُ أقول لنفسي إنّي إنْ لم آخذ ما يُعرض عليّ، فستذهب الأموال إلى آخرين، ثمّ ساعدني أكثر تكليفي لاحقاً بمهام إدارية ماليّة مختلفة، وتنقلّي في مواقع أتاحت لي قطعاً عديدة من الكعكات المتوالية لكل مشروعٍ أو منحةٍ أو تمويل، وأشهدُ لنفسي أنّي كنتُ ذكيّاً بما يكفي لانتهاز الفرص واستغلال الغفلة لدى من كانوا يرأسونني. وبالاستعانة بخبراء القفز فوق القانون وتحته ... نجحتُ في إخفاء كلّ آثار الثراء المباغت، كما لم أنسَ رمي بعض الفتات للصّغار من المتنفّذين ... وكانت تفعل الأعاجيب !
لكنّ نقطة ضعفي كانت وما تزال في أنّي عاجزٌعن التوّقف ... فما لا يعرفه الناس البسطاء هو أنّنا، نحن الأثرياء، نغار من بعضنا بعضاً ...
لكنّي لا أنام، فإذا تأخرّ الأبناء قليلاً، أشعر أنّ قلبي على وشك التوّقف من الهلع عليهم، وأهاتف ابنتي المتزوجة في الخارج مرتين في اليوم الواحد، وإذا انتابني أيّ ألمٍ في جسدي، أشعر بالفزع وأهرع إلى الطبيب مهرولاً لأتأكد أنّه ليس مرضٌ عضال ... فثمّة شىء في داخلي يقول : إنّ عقابَ الله على ما فعلتُ قادمٌ لا محالة ... في زمنٍ مضى، وحين كانت تستحقّ عليّ بضعة فواتير، كنتُ أقلق قليلاً، لكنّي كنتُ أنام أخيراً مثل بقيّة خلق الله، لكن هذه الأيام، صرتُ أدرك أنّ عليّ دفعَ فاتورةٍ واحدة ... الله وحده فقط يعلمُ مقدارها وطبيعتها !
لذلك، فأنا أصلّي ليل نهار، حتى أدفعها بنفسي، لأنّ ما يقتلني ويمنع عنّي النوم، هو احتمالية أنْ يدفعَها أحد أحبّائي من الأبناء ... ماذا أفعل يا ربّي ؟ كيف يتوب الفاسدون ؟ وأيّ كمّ من الأسرار يجب أنْ أكشفَ حتى أرتاح ؟
ربّي، ساعدني ... ساعدني على التوبة، فأنا أريد أنْ أنام ... أنْ أنامَ مثل بقيّة خلقك !
الرأي
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير