الصّورة !
د. لانا مامكغ
بعد مدّة، جاءه أحد الموّظفيْن إياهما طالباً لقاءً خاصّاً وعاجلاً به، وجرى خلاله حديثٌ هامسٌ طويل بينهما، أسفر عنه بعد أيام صدور قرارٍ ببعض التصفيات الوظيفية ... ثمّ طلب منه الآخر لقاءً مماثلاً، ليتمّ، بعد جلسةٍ مطوّلةٍ من الهمس، إصدار قرارتٍ عاجلة بتغيير بعض المواقع الوظيفية لعددٍ من رؤساء الأقسام، وتكرّرت اللقاءات الهامسة، والقرارات العاجلة، وكانا يردّدان أمامه في كلّ مناسبة أنّ شعبيته في ازديادٍ مطّرد، وأنّ المؤسسة قد بدأت تدخل عهدها الذهبيّ ... بسبب حكمته وخبراته الإداريّة الفذّة !
وكان ثمّة أحداثٌ تمّر به بشكلٍ متتابع، تعيد له إحساسه بالنشوة إيّاها، مثل الدعوات التي كانت تأتيه من أحد الموظفيْن إياهما لقضاء يوم عطلة في مزرعته الواقعة داخل منطقةٍ شجرية حول العاصمة، فيمضي الوقت بين الماء والخضراء والوجوه الهاشّة الباشّة بقدومه ... كما حدث أنْ رُزق الموظّف الآخر بمولود جديد ... فأطلق عليه اسمه تيّمناً ورجاءً من الله، كما قال، أنْ يُنعم على الصغير بالعبقرية والحكمة وبعد النظر ... وبقيّة المزايا التي يتمتّع بها المدير المحبوب !
وتمّر الأيام، وما زال يدخل المؤسسة كلّ يوم، فيستقبله الاثنان بحفاوة وتبجيل يزيد منسوبهما يوماً بعد يوم ... فتغمره النشوة ذاتها من جديد كلّ يوم، وما زالا ينفردان به في الجلسات الهامسة إيّاها ... ليُصدر بعدها القرارات الإدارية السريعة، دون أنْ يعرف أنّ التقارير خارج المؤسسة تشير إلى زيادةٍ مطّردّة في تردّيها المالي والإداري ... ودون أنْ يعرف أيضاً أنّ الموّظف الأوّل قد ابتاع مؤخرّاً مزرعةً جديدة ... وأنّ الآخر قد اشترى قطعة أرض جديدة في إحدى المناطق السكنيّة الفارهة حول العاصمة !
يحدثُ ذلك كلّه، في حين ما زالت صورته المكبّرة تتصدّر القاعة الرئيسيّة للمؤسسة ... وما زالت تلك النشوة النزقة تحتل كيانه كلّما مرّ بجانبها !