jo24_banner
jo24_banner

القاعدون !

د. لانا مامكغ
جو 24 : عندما أشعل السيجارة الثالثة من نهاية سابقتها ... تركتْ المكنسة من يدها، واقتربت منه لتذكرّه بصحته، وبسعاله المستمرالذي لا يهدأ طوال الليل، العبارات ذاتها التي باتت تُسمعه إيّاها مؤخرّاً، فردّ عليها بالسؤال: « ماذا ستطبخين لنا اليوم ؟ « «أين هاتفي ؟ « ثمّ بالتعليق : «والله ودخل الصيف .. « إلى غير ذلك من الردود المعتادة المراوغة الهادفة إلى إلهائها عن الموضوع، فعادت إلى متابعة شؤونها، وعاد هو إلى التدخين والتحديق في الشاشة الصغيرة ...
بعد الغداء، دخل غرفته بعد أن صفق الباب وراءه محدثاً دويّاً صاخباً في أرجاء البيت كلّه، فلحقته لتذكّره بأنّ كثرة متابعته لتلك الفضائيات الإخباريّة يورثه القهروالإحساس بالعجز والغضب دون جدوى ... لتجده يطلب منها، كأنّما لم يسمعها، أن تُوقظه بعد ساعتين مع فنجان المعتاد، فمضت خارجة دون تعليق .
في المساء، وعندما رأته يجلس على الشرفة وحيداً، اقترحت عليه دعوة أحد أصدقائه من الجيران للعب الطاولة ... فأجابها بنبرة قاطعة إنّه لم يعد يطيق المذكور لأنّ دمه صار ثقيلاً بعدما تقاعد ... فكادت تذكّره بأنهما أحيلا على التقاعد في التوقيت نفسه ... لكن آثرت السكوت ومضت إلى شؤونها .
خلال السهرة، شاهدا برنامجاً تسجيلياً عن الجدوى الاقتصادية من الزراعات المنزليّة، فالتفتت نحوه بحماسة لتقترح عليه استغلال الباحة الترابيّة الواقعة خلف البيت في زراعة بعض الخضار مثل البندورة والبقدونس والنعنع، لتفاجأ به يصيح غاضباً : « أنا ؟ أنا بعد تاريخي في الوظيفة، أعود لأزرع وأفلح في الأرض ... ولله عال ! « فلم تردّ، ولم تُعلّق، واكتفت بأن توجّهت إلى فراشها بصمت .
بعد يومين، وفيما كانت تُفرغ المنفضة التي أمامه، قالت إنها تلمح جارهم الأجنبي كلّ صباح وهو يمشي في المنطقة، ثمّ لتعلّق بقولها : « أحسب أنّه تجاوز السبعين بسنوات !» : ليردّ هو بسخرية : آه، عرفته، هذا مجنون رسمي ... خاصّة لمّا يركض بالشورت الأصفر والطاقيّة الحمرا « !
ولمّا أصبحت تُلاحظ أنّه لم يعد يحلق ذقنه إلا نادراً، وتمر أيام دون أن يغيّر منامته الكحليّة ... اقترحت عليه الخروج معاً لتناول الشاي في أحد المقاهي العائلية المطلّة، لتجده يردّ بسرعة دون أن يزيحَ نظره عن التلفزيون : « يعني نخسر دنانير وفي بيتنا قهوة وشاي وطلّة ... والله عال « !
وماذا بعد ؟ صارت تدورهي هذه الأيام في أرجاء البيت وهي تتحدّث مع نفسها في تمتمةٍ غير مفهومة حتى لها... ولقد بدأت تُجري سلسلة اتصالات مع سيداتٍ أخريات يعانين من الوضع ذاته ... فهي حاليّاً بصدد تنظيم اعتصامٍ ووقفة احتجاج كبرى أمام رئاسة الوزراء لإيصال أصواتهن ... ليس لصانعي القرارهناك ... وإنّما للأزواج القاعدين أنفسهم !
الرأي
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير