شعبية الملك
تعتبر استطلاعات الرأي المتعلقة بمدى الشعبية والتأييد الجماهيري الذي تحظى به القيادة العليا للدولة من الأمور الاعتيادية والتقاليد الإعلامية الراسخة في الدول الديمقراطية حيث يتمكن القائد من معرفة استحسان الناس ورضاهم أو سخطهم عن سياساته وإدارته لشؤون الدولة وقدرته على حل المشكلات والتحديات الرئيسية التي تواجه المجتمع . والحقيقة أن هذه الاستطلاعات تعطي تغذية راجعة حقيقية وتقييم صادق من قبل الناس الذين وجدت من أجلهم القيادة والتي بأصواتهم وأرائهم تستمر هذه القيادة أو تترجل في أول انتخاباتهم عامة . هذا النمط من الاستطلاعات يلاءم الدول التي تتبع النظام الرئاسي والتي يلعب فيها الرئيس المنتخب للبلاد دورا محوريا في إدارة شؤون المجتمع .
أما الأنظمة الملكية الوراثية فهي لا تقلق كثيرا على شعبية الملك لأنه أصلا لم يأتي بفعل صناديق الانتخابات ولا يستمد شرعيته من أراء الناس ولكن هذه الشرعية مستمدة من الدستور الذي ارتضاه الإباء والأجداد . في الدول الديمقراطية ذات الأنظمة الملكية يتم استطلاع رأي الجماهير بأداء رئيس الحكومة والوزارة التي يقودها لأنه هذا الرئيس هو وحكومته من يتولي إدارة شؤون البلاد وهم من جاءوا بفعل وقوة صناديق الاقتراع ودعم الناس لبرامج الحزب أو الأحزاب التي ينتمي لها أعضاء الحكومة. أما الملك فإن صلاحياته شكلية وبروتوكولية ولا يستطيع أن يتدخل في أبسط أمور البلد كما أنه لا يستطيع أن يصرح بتصريح سياسي يؤثر على موقف الحكومة وسياساتها الداخلية والخارجية.
ماذا عن الوضع في الأردن وماذا عن مدى الشعبية والتأييد الذي يحظى به الملك؟ الملك وفقا للدستور الأردني له صلاحيات واسعة في إدارة شؤون الدولة من خلال ترأسه للسلطات السياسية الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ومن خلال صلاحياته في اختيار وتكليف رؤساء الحكومات والوزراء وإقالتهم ، والدعوة لانتخابات مجلس النواب وكذلك صلاحيته في حل هذا المجلس، وتعيين أعضاء مجلس الأعيان وإعفائهم من مهامهم ، والملك هو الرئيس الأعلى للقوات المسلحة والأجهزة الأمنية ، وهو من يرسم ويقود السياسة الخارجية الأردنية وما السفراء وكبيرهم وزير الخارجية والموظفين والمستشارين إلا أدوات تنفيذية وبيروقراطية يترجمون ما يريده الملك . استنادا للصلاحيات الهائلة التي يتمتع بها الملك وتدخله الواسع والمباشر في إدارة كافة مفاصل الدولة فإن شعبيته تتأثر بمدى نجاح الحكومة في تقليل الفقر ونسب البطالة والمديونية والعجز في الموازنة التي تذهب بعض مفرداتها لتنفيذ أوامر الملك وتغطية المشاريع والمكارم التي ينعم بها على الشعب. والسؤال الذي يبرز هنا وفي ضوء معدلات الفقر الفلكية التي يعاني منها الأردنيين ، ونسب البطالة التي تجاوزت 17% من القوى العاملة ، ونسب العجز في الموازنة التي أصبحت وفق بعض التقارير المحلية والدولية تهدد استقرار العملة المحلية وقدرة الدولة على القيام بالتزاماتها، والمديونية المذهلة التي يستحيل سدادها والمرشحة للزيادة ، وتراجع الملك الملموس عن برامج الإصلاح السياسي، في ضوء ذلك كله هل شعبية الملك ما زالت تحافظ على مستوياتها التقليدية المعهودة وهل ما يروج له الإعلام والاحتفالات والأهازيج التي "تبرق وترعد" وخطابات المدح والتقرب للملك والثناء على كل خطواته وقراراته ومكارمه تعكس شعبية حقيقية للملك والنظام؟
الحقيقة وفي غياب استطلاعات الرأي لمدى شعبية الملك وإدارته لشؤون البلد ،وفي ظل انعدام القيمة البحثية والموثوقية والمصداقية في استطلاعات الرأي بأداء الحكومة ، ومدى رضا الناس عن الوضع الاقتصادي الكارثي الذي وصلت إليه المملكة، والوضع المائي الذي يذكر المواطنين بجفاف الصومال ، وتراجع نوايا الملك الإصلاحية وعدم التجاوب مع مطالب الحراك السياسي ، وإصرار الملك على قانون الصوت الواحد ، واستبدال حكومة إصلاحية بامتياز بحكومة "نعم سيدي" وحكومة" بناء على توجيهات سيدنا" في غياب كل ذلك يتساءل المرء عن مدى شعبية الملك ومدى التأييد الذي يحظى به في الشارع . لندع جانبا المقابلات التلفزيونية الشكلية والانتقائية والمبرمجة ، وكتابات الصحف التي تساهم فيها الحكومة حيث ترى عجبا عجابا فهؤلاء يتحدثون عن الأردن وقوته الاقتصادية والنقدية والسياسية ، ونجاعة خطواته الإصلاحية ، وتميزه في التجاوب السلمي مع مطالب الحراك لدرجة يخال القارئ والمشاهد أننا نتحدث عن اقتصاديات وأوضاع الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا !
رؤساء الوزارات جميعا منذ ثلاثة عشر عاما الذين أسهم معظمهم في وصولنا لهذا الوضع المأزوم والكارثي على مختلف الأصعدة هم جميعا تم اختيارهم من قبل الملك وكلهم كانوا يأتمرون بأمره في إدارة شؤون الدولة فهل أثرت أو ما زال تؤثر قرارات انتقاء الملك لهذه القيادات العليا غير الجديرة وأحيانا المدمرة على مخزون الملك والنظام من التأييد الشعبي والجماهيري في الشارع الأردني؟ إن تراجع الإصلاح السياسي في الأردن وسط إصرار الملك على قانون الصوت الواحد وتراخي جهود مكافحة الفساد ، واحتماء بعض من تحوم حولهم الشبهات بالديوان الملكي يضع شعبية الملك على المحك ويمكن تلمس كثير من الملاحظات العرضية (Casual Observations) لدى المواطنين الأردنيين تتضمن عدم الرضي عن الوضع الراهن لا بل تتضمن مشاعر الغضب على النظام الذي لم يفلح في حماية كرامة الناس ومدخراتهم ولقمة عيشهم ناهيك عن تمترس القيادة السياسية خلف صلاحياتها الهائلة في التدخل في كل قطاعات الإدارة العامة للدولة . صحيح أن الملك والنظام ما زال يمتلك شعبية معتبرة في معاقل تقليدية كالبوادي والأرياف وبعض الأقليات المستفيدة من الوضع الراهن ولكننا نود التذكير بأن قوة هذه الشعبية ومساحتها وحدتها انخفضت بشكل يمكن ملاحظته من قبل أي مراقب أو حتى عابر سبيل مقارنة بحجم هذه الشعبية للراحل الملك الحسين بن طلال قبل عقدين من الزمن ناهيك عن ظهور انقسامات واتجاهات سياسية معارضة لسياسات النظام وقيادته ضمن هذه المعاقل التقليدية والعشائرية الداعمة للنظام.
ناقوس الخطر يدق فالأردن ليس جزيرة معزولة عما يدور حوله ومطلوب من الملك أن يقف على حجم شعبية النظام ومدى التراجع الذي طرأ عليها وتأثير ذلك على أي احتمالات لاستغلال بعض الاحتقانات هنا وهناك لإثارة نزاعات يمكن أن تودي باستقرار النظام والوطن وتعرض أمننا وسلامنا المجتمعي إلى أخطار نحن بغنى عنها. مأمول من الملك أن يعيد النظر بموقفه من مطالب الإصلاح وقانون الانتخابات النيابية وأن يستدرك التراجع الملحوظ في الدعم والتأييد الشعبي للملك والنظام نتيجة لعدم القيام بإصلاحات سياسية ترقى إلى تطلعات الحراك السياسي والشعبي ، وعلى الملك أن لا يثق كثيرا بما يقوله رئيس حكومته وناطقه الإعلامي ومدير مخابراته فهؤلاء يقاومون التغيير وهم جزء من المشكلة وليس لديهم حلول وفاقد الشيء لا يعطيه.