التفاوت الكبير والمفارقات في أداء رؤساء مجالس أمناء الجامعات
د. انيس خصاونة
جو 24 :
تشكل مجالس أمناء الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة أعلى هيئة أو مستوى إداري يتولى ممارسة مهام مزدوجة في وضع السياسات العامة والرقابة والإشراف على الأداء العام للجامعة ممثلة برئيسها ونوابه وعمداء الكليات فيها. من جانب آخر يدرك العديد من المتابعين لشأن التعليم العالي في الأردن أن شخص رئيس مجلس الأمناء يلعب دورا بارزا في تحديد بوصلة الجامعة ، وضبط إيقاع إدائها لينسجم مع رؤى مجلس الأمناء وسياساته من ناحية ، ومع سياسات التعليم العالي (ممثلة بمجلس التعليم العالي ) في المملكة بشكل عام .
تجربة الأردن مع مجالس الأمناء ، وسلامة أداء هذه المجالس ، وفعالية الدور الذي يلعبه رؤساء هذه المجالس تجربة تختلط فيها بعض النجاحات النسبية لقليل من المجالس مع كثير من الإخفاقات ، وربما الترهل والضعف الذي تظهره معظم هذه المجالس. فمن ناحية وضع السياسات العامة للجامعة ، ومتابعتها والتأكد من الالتزام بها ، لم يسجل حالات كثيرة من النجاح إلا في حالة جامعة أردنية واحدة وهي بالمناسبة ليست جامعة رسمية ، ونحن نتحدث هنا عن الجامعة الأمريكية في مآدبا ، حيث أن مجلس الأمناء ممثلا برئيسه ،رئيس الوزراء الأسبق الدكتور معروف البخيت ، يمارس دورا حقيقيا في توجيه الجامعة وسياساتها العامة ، لا بل ويتابع مدى قيام رئيس الجامعة بترجمة هذه السياسات إلى واقع فعلي ومدى تناغم أداءه وقراراته مع الاتجاه العام والخطوط العريضة التي رسمها مجلس الأمناء ، ناهيك عن مساءلة مستمرة واهتمام جدي ومتواصل من قبل المجلس لما يجري داخل الجامعة دون الانخراط في العمل اليومي والتنفيذي لرئيس الجامعة وكادره الأكاديمي والإداري.
وفي الوقت الذي بدى أن أداء رئيس الجامعة الأمريكية وعدم التزامه بسياسات مجلس الأمناء قد تسبب في اضطلاع مجلس أمناء الجامعة بمسؤولياته وقراره الحازم بعزل رئيس الجامعة، فإن الأداء الجيد لرؤساء جامعتين أردنيتين رسميتين لم يشفع لهما في تجديد ولايتهما لفترة ثانية رغم أن رئيس مجلس أمناء أحدهما هو رئيس وزراء سابق أيضا ، حيث تخلى عن دعم رئيس الجامعة السابق رغم أن تقرير تقييم أداءه كان جيدا ،وينطبق الأمر ذاته على جامعة رسمية أخرى من جامعات الأطراف ، حيث أسهم رئيس مجلس أمناء الجامعة في الإطاحة برئيس الجامعة السابق علنا ومن خلال تقديمه تقرير منفصل عن تقرير لجنة تقييم أداء رئيس الجامعة والتي هو أصلا عضو فيها. رئيس مجلس الأمناء لهذه الجامعة يوافق هو ومجلس الأمناء على تعيينات جديدة غير موفقه لبعض العمداء الذين سبق وأن وجهت لهم تهم مسلكية ومالية خطيرة ، وتم التحقيق معهم وتوجيه إنذارات لهم من قبل رئيس مجلس الأمناء نفسه عندما كان يشغل موقع رئيس الجامعة .المثير للاستغراب هو أن رئيس مجلس الأمناء يقول عندما يسأل عن هذه التعيينات يقول بأن "رئيس الجامعة يريد هكذا" فأين دور رئيس وأعضاء مجلس الأمناء وكيف يمكن مقارنة ذلك بالدور الفعال الذي يمارسه رئيس وأعضاء مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في مأدبا؟؟؟
الصورة على أي حال ليست قاتمة تماما فهناك بوادر تبدو واعدة وأكثر إضاءة من قبل مجالس أمناء جامعتين رسميتين مهمتين هما جامعة الحسين بن طلال ، وجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية ،حيث لم تتم الموافقة ،أو تأجيل النظر على الأقل ، على تنسيبات رؤساء الجامعتين المذكورتين والتي تتضمن تعيين نواب جدد لرؤساء الجامعتين بحجة أنهم قدموا استقالاتهم .مجلسي الأمناء المذكورين توقفا عند هذه التنسيبات وتحديدا عند "استقالة نواب الرئيس بناء على طلبهم "أو" بناء على طلب رئيس الجامعة" وأجل النظر في الموضوع ، وتم تواصل مجلس الأمناء مع نواب الرئيس في الجامعتين لمعرفة سبب استقالتهم من مواقعهم وإن كانت بطلب منهم أم بطلب الرئيس ،في حين أن جامعة رسمية أخرى يتم نقل معلومات غير دقيقة لمجلس الأمناء بانتهاء فترة عمل نواب الرئيس وإحلال زملاء لهم مكانهم قبل انتهاء تفويضهم الرسمي؟
يا ترى نتساءل هنا هل يتلقى رئيس مجلس امناء الجامعة الرسمية تعليمات مكتوبه من جهات لا نعلمها ؟أم أن المزاج والرغبات والأفضليات والعلاقات الشخصية بين رئيس مجلس الأمناء ورئيس الجامعة هي التي تلعب الدور الأهم في فعالية ممارسة مجلس الأمناء لدوره المزدوج في وضع السياسات العامة والرقابة على أداء رئيس الجامعة ؟ مجالس الأمناء بهذه الصورة وبهذه الاختيارات غير المحكومة أصلا بأسس وقواعد واضحة تؤدي لاختيار قيادات فعالة لرئيس وأعضاء مجالس الأمناء ورؤساء الجامعة بالضرورة ستجعل هذه المجالس هياكل خاوية ، وستترك فعالية دورها في السياسات والرقابة متروك للعشوائية والصدف. رئيس مجلس الأمناء ليس بالضرورة أن يكون طاعن في السن ولا أشيب الشعر ولا حاصل على لقب اجتماعي أو سياسي ولا حريص على ممالئة المسئولين سواء في التعليم العالي أو غيرها من المؤسسات لضمان استمرار تواجده في المشهد السياسي والتعليمي.
في خضم استعدادات المملكة لافتتاح فعاليات مؤتمر الموارد البشرية خلال الأيام القليلة القادمة وبرعاية ملكية ، فإن استراتيجية الموارد البشرية بشكل عام واستراتيجية التعليم العالي على وجه الخصوص تتطلب بالضرورة إعادة تقييم فعالية الدور الذي يضطلع به رئيس وأعضاء مجالس الأمناء ومدى مساهمة هذه المجالس في تجسيد وتعزيز الحاكمية الرشيدة في مؤسساتنا وإمكانية نقل صلاحيات مجلس الأمناء إلى مجلس الجامعة بعد إعادة ترتيب الصلاحيات والعضوية وطرق الاختيار انتخابا وتعيينا وذلك كما هو معمول به في معظم الجامعات العريقة والتي تتبنى تقاليد وأعراف أكاديمية وإدارية راسخة.