الشعب وحده مخول بتحديد قواعد اللعبة السياسية في الأردن
شاهد معظم الأردنيين مقابلة الملك مع المحطة الأمريكية ABC والتي تناول فيها الملك موضوعات عديدة تراوحت بين الأحداث في سوريا وتجارب الربيع العربي وتأثيراتها على الوضع الأردني وما يشهده من مطالبات إصلاحية انتهت بتجاوب محدود من قبل النظام السياسي لبعض المطالب الإصلاحية في حين تصر المعارضة على تعديلات جوهرية حقيقية تترك أثارا ملموسة على واقع ومستقبل الحياة السياسية في المملكة.
ما يجذب الانتباه أن الملك ركز بشكل أساسي على الإصلاح الذي يريده هو مكررا لمرات عديدة أثناء المقابلة مصطلحات "ما أريد" ، " وما أتوقع بأن يتم" ، "وطلبت من الحكومة" ، "ووجهت " ، "وشددت" ونادرا ما أبرز ما يريده الشعب وما يراه الناس ومنظورهم للإصلاح السياسي الذي يتطلعون إليه. والغريب في الأمر أن الدستور الأردني قائم على أساس أن الملك يملك ولا يحكم ومن هذا المنطلق اعتبرت ذات الملك مصونة أمام القانون ولا يخضع للمسائلة عما يقوم به في حين أن الحكومة يمكن مقاضاتها أمام المحاكم وتتحمل تبعات ومسؤوليات قراراتها وأعمالها. كما تضمن كلام الملك هجوما واتهاما واضحا لجبهة العمل الإسلامي ولجماعة الإخوان المسلمين بأنهم يريدون قانون انتخابات على مقاسهم وأنهم اختاروا أن يؤثروا من خلال وجودهم في المسيرات والشوارع وليس من خلال الحوارات ودعاهم في النهاية إلى المشاركة في التأثر من خلال البرلمان.
الملك يدعوا جماعة الإخوان للمشاركة في البرلمان عبر قانون انتخابات غير عادل هو الذي اختاره وهو الذي وعد بتغييره ومن ثم تراجع عن ذلك ويصر على هذا القانون الذي يرفضه ليس فقط الإخوان المسلمين ولكنه ترفضه أكثر من خمسة وخمسين جهة سياسية في الأردن التي أعلنت أنها لن تشارك في الانتخابات.الجهات الرافضة لهذا القانون وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين تعرف مسبقا أن هذا القانون لن يأتي بإفرازات تختلف كثيرا عن مواصفات المجلس الحالي وإلا لماذا إصرار الملك على هذا القانون ؟ولماذا يقدم مدير المخابرات دراسة تبين للملك عدد الأصوات التي سيحصل عليها الإخوان المسلمين فيما لو تم تعديل القانون ليصبح عدد الأصوات التي يستطيع أن يدلي بها الناخب صوتين أو ثلاث أصوات مشيرا إلى أن الإخوان سيحصلون على عدد كبير من الأصوات إذا تم تعديل القانون مما يمكنهم من تشكيل حكومة وهذا حسب تقرير دائرة المخابرات الذي خاطبت به الملك "خطا أحمر" فما هو الخط الأحمر الذي يحدده مدير المخابرات أو حتى الملك؟؟ الخطوط الحمر يحددها الشعب من خلال ممثلين حقيقيين يأتون وفقا لإفراز قانون انتخابات عادل.
الملك يقول بأننا في الأردن أنجزنا تعديلات دستورية شملت ثلث الدستور وهو أمر غير مسبوق في معظم الدول والحقيقة أن هذه التعديلات شكلية ولا تغير في جوهر الدستور شيئا ولن تترك أثارا حقيقية على مستقبل الحياة السياسية .الأردنيون لم يطالبوا بتغيير ثلث أو ربع مواد الدستور عن طريق إضافة أل التعريف أو حذف واو العطف من بعض الكلمات ،الأردنيون يريدون فقط تعديل ثلاث مواد هي 34،35،36 وهذا يكفي لأن هذه المواد تشكل عصب الدستور وواسطه فلماذا يتمترس النظام ويتعنت في إجراء التعديل على هذه المواد؟ طبعا الإجابة تكمن في أن الملك لا يريد خسارة صلاحياته في تعيين وإقالة رئيس الوزراء وأعضاء حكومته كما أنه يرغب في الاستمرار في تعيين أعضاء مجلس الأعيان وهو مجلس صوري ولا تأثير له في الحياة السياسية اللهم سوى استرضاء البعض المناكفين ، وامتصاص المعارضين وإخراسهم ، ومكافأة الموالين المصفقين "على الطالع والنازل".
أما ما قاله الملك بأن التعديلات الدستورية غير مسبوقة من حيث حجمها فالحقيقة أن هذا كلام تعوزه الدقة .فالتعديلات التي أدخلت على الدستور المغربي أعمق وأشمل من التعديلات التي تم إجرائها في الأردن كما أن مصر بصدد وضع دستور جديد وكذلك تونس ،لا بل نقول للملك بأن مملكة نيبال وهي دولة معزولة تقع عند جبال الهملايا في شبه القارة الهندية وعدد سكانها (27) مليون نسمة غيرت ليس فقط دستورها ولكنها غيرت النظام الملكي الذي استمر 240 عاما حيث تم استفتاء الشعب ومحاورة قواه السياسية وأصبح النظام في نيبال نظاما فدراليا جمهوريا اعتبارا من عام2008 .
قواعد اللعبة السياسية كما يفهم من الدستور الأردني يحددها الشعب وليس رغبات الملك ورؤاه ولا رغبات مدير المخابرات ورئيس الوزراء الذي على ما يبدوا أنه لا يدرك جسامة وأهمية وتأثير الموقع الذي يشغله على مستقبل الأردن وأجياله القادمة مكتفيا بالإدلاء بتصريحات صحفية متناقضة فتارة يعلن ناطقه لإعلامي بأن قناة جوسات أغلقت لأسباب مالية ليأتي رئيس الوزراء بعد يومين مصرحا بأن القناة أغلقت بقرار منه هو؟
قواعد اللعبة السياسية من تعديلات دستورية وقوانين أحزاب وقانون انتخاب وغيرها هي ملك للشعب وفقا للدستور ودون تدخل الملك بإرادات النواب والأعيان والحكومة. نعم نريد قانون انتخابات مفصل على قدر الشعب ومن ضمنهم جبهة العمل الإسلامي التي تشكل أكبر هذه القوى ،فبقدر حجمها وقواعدها تريد قانونا ينسجم مع قوتها وحجمها دون التجاوز على القوى السياسية الأخرى وما تشكله من وزن في المجتمع. وهل من المعقول أن يكون البديل أن يتم تفصيل قانون انتخابات على مقاس الملك والنظام ليأتي بنواب مقدور عليهم ويحولون دون وصول جبهة العمل الإسلامي وقوى المعارضة بشكل عام إلى الحكم؟ نعم التوجهات الحالية وتراجع الملك والنظام عن الإصلاح وإقرار قانون الصوت الواحد هو تفصيل لانتخابات وتشكيلة من النواب على قدر النظام بحيث يبقون ضمن قبضته ويأتمرون عند التصويت بأمر الديوان والمخابرات ليؤول المجلس في النهاية إلى أن يصبح مشجب أو خرقة لمسح غبار النظام والمحتمين فيه ممن غرسوا أنيابهم في الجسد الأردني .
الأردنيون يريدون أن يسهموا في تفصيل قواعد اللعبة السياسية سواء قانون انتخابات أو غيره كما أنهم يتمسكون بحقهم في أن يساهموا في صناعة القالب" والأسس التي يتم تفصيل هذه القواعد فإذا لم نتفق على" القالب" الذي ستتم بموجبه الانتخابات فإن إفرازاتها ستكون فضفاضة أو ضيقة ولن تكون على مقاس الشعب حتى لو كانت على مقاس النظام نفسه. الأردنيون على درجة عالية من الوعي ويحللون ما يقوله الملك ويمكنهم أن يميزوا بين ما هو لصالحهم أو ليس لصالحهم . صحيح أن الديمقراطية في الولايات المتحدة عمرها( 200) عام كما أشار الملك ولكن لا يلزمنا أن ننتظر كل هذا الوقت لنضع قواعد ديمقراطية مثيلة لتلك المعمول فيها في تلك الدولة العظمى .الأردنيون الذين سكنوا وعمروا أرض الأردن قبل عام 1921 بمئات السنين تطوروا يا جلالة الملك وهم مثقفون ، وتعليمهم عالي ، وجابوا العالم وعايشوا الديمقراطيات في دول عديدة ويستطيعون لا بل يستأهلون قوانين ومنظومات تشريعية راقية تضع الأسس لحياة ديمقراطية حقيقية وكريمه.