تردد الملك في اتخاذ قرارات سياسية هامة روية أم هلع!
أحداث جسام يمر بها بلدنا منذ عامين فالأزمات تتصاعد وتتنوع لدرجة أنه حيثما نظرت تجد أزمة مستحكمة أو خيوط أزمة تتشكل فمن بطالة مزمنة ، وفقر متعاظم ، ومديونية مرعبة ، وعجز موازنة تجاوز الحدود الآمنة اقتصاديا ، وتراجع في مستويات الأمن والأمان ، وتزايد في مطالب الحراك وارتفاع سقوف شعاراتها ، وتخبط الحكومة في قراراتها ، وتراجع جهود مكافحة الفساد وغير ذلك من بؤر توتر بعضها ملتهب وبعضها الآخر كامن ومرشح للانفجار بين عشية وضحاها.
أسئلة كثيرة لا يجد الأردنيون إجابات عليها لعل في مقدمتها أين الملك وماذا يفعل إزاء كل هذه الأزمات وهل سفره المتكرر للولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في هذه الأوقات العصيبة سفر مبرر؟وهل لهذه الزيارات من نتائج على بلدنا وأزماتنا ؟ نلحظ بأنه ما تكاد أن تنتهي زيارة لأمريكا حتى يعلن عن بدء أخرى فكيف للملك وهو قائد البلاد أن يهدأ له بال في زيارة خاصة للولايات المتحدة أو بريطانيا والأمور ملتهبة في المملكة والمشاعر محبطة ويكاد الأردنيون يحمدون الله على انقضاء كل يوم بسلام نظرا لحالة الترقب والقلق وعدم الاستقرار الذي يشعر به الشعب.
لماذا لا يتخذ الملك قرارات هامة تتعلق بالتجاوب مع تطلعات الشعب ومطالب قواه الحية؟ لماذا يصر على إقصاء المعارضة وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي؟ لماذا يتردد الملك في تعديل قانون الانتخابات النيابية؟ لماذا يكثف الملك تواصله مع العشائر ولا يتحاور مع قادة الرأي وأصحاب الفكر والنخب السياسية في المجتمع؟ وهل يقوم الأمير الحسن بالتواصل نيابة عن الملك مع أحرار الطفيلة وبعض القوى الوطنية لتسكين الأمور؟الملك قال كلاما كثيرا عن الإصلاح ولكنه فعل قليلا لتحقيقه فهل هذا من منطلق الروية والتأني في اتخاذ القرارات أم هو التردد والهلع من التغيير ونتائجه؟
في غياب التقاليد والأعراف السياسية الحقيقية في الدولة الأردنية ونتيجة للسلطات الدستورية الهائلة للملك فإن المؤسسات السياسية الأردنية بوضعها الحالي لم ولن تتمكن من تقديم حلول لهذه الحالة من الجمود السياسي فلا الملك راغب حقيقة في التنازل عن صلاحياته حتى وإن صرح بذلك، ولا السلطات التشريعية والتنفيذية تمارس عملها باستقلالية وحرية بمعزل عن تدخل القصر من خلال أذرعه المتعددة ابتداء من دائرة المخابرات العامة ومستشاريىة العشائر والديوان الملكي ، ولا المعارضة بأحزابها الهشة باستثناء جبهة العمل الإسلامي يمكنها أن تشكل ضغطا وثقلا كافيا لإجبار النظام على التجاوب مع مطالبها. نعم حالة جمود ليست فقط مقلقة لكنها مخيفة خصوصا عندما بدأنا نرى ظاهرة التجرؤ على الدولة وأخذ القانون والحقوق باليد والانتصار بالعشائر وسط غياب كبير لحضور قيادي من أعلى السلطات في الدولة. ماذا ينتظر الملك أكثر من هكذا مسوغات ومبررات لممارسة دوره الدستوري في المحافظة على أمن وسلام المجتمع؟ هل هو الخوف من مجهول التغيير وحالة عدم التأكد التي نحن بصدد الانتقال إليها؟ أم هو ضعف في النصائح والاستشارات وحالات تقدير الوضع التي يقوم بها مستشارو الملك ورئيس الديوان ومدير المخابرات وهل هؤلاء مؤهلين لتقديم هذا النصح المتعلق بمستقبل ستة ملايين مواطن علما بأن هؤلاء المستشارين غير سياسيين وبعضهم ضباط سابقين في الجيش والمخابرات ومؤهلاتهم تتراوح بين بكالوريوس لغة عربية أو علوم عسكرية ؟
لماذا لا يستمع الملك إلى معارضين النظام ولماذا لا يحاور بإيجابية وصراحة أحمد عبيدات وإسحاق الفرحان وسفيان التل وغازي أبو جنيب الفايز وسليمان الطراونه وهمام سعيد وليث الشبيلات ومحمد الحموري ومنصور مراد وتوجان فيصل وسالم فلاحات وموسى الحديد وعشرات من رجالات الأردن ونساءه الأحرار الذين يحبون وطنهم ولكنهم لديهم وجهة نظر أخرى وأسلوب آخر يترجمون حبهم لوطنهم؟ أعتقد أنه الهلع من التغيير من جانب الملك مصحوبا بضعف تقدير الموقف الذي يقدم من بطانته ومستشاريه مضافا إلى ذلك سيطرة نخبة سياسية واقتصادية متضررة من تغيير الأوضاع الحالية.
حالة الجمود السياسي والتردد في اتخاذ قرارات سياسية هامة وجوهرية تمتص نقمة الأردنيين وسخطهم وتحترم كرامتهم لن تخدم استقرار الوطن ولن تنفع النظام . تدخل الملك وتجاوبه السريع مطلوب وبشكل عاجل وننصح الملك بتجاوز مخاوفه من التغيير فهذه المخاوف ترعب المنتفعين من الوضع الراهن من البطانة غير الصالحة التي لن ادعوا لها بالصلاح في أدبار أي صلاة جمعة مقبلة . تأجيل القرارات سيرفع من سقف المطالبات وها نحن بدأنا نسمع لأول مرة عن شعارات تبتعد عن إصلاح النظام وتقترب من تهديد وجود النظام وكينونته والتي تم توقيف بعض المنادين بها حديثا . قرارات الإصلاح التي يتوقع الأردنيين مليكهم أن يتخذها طال انتظارها مما فاقم من أزمات بلدنا وخلق منبتا وبيئة ملائمة للتشرذم والإستقطابات العشائرية والقبلية والطائفية كما جعل سمعة الدولة وهيبتها وأمنها أكثر هشاشة من أي وقت مضى.