jo24_banner
jo24_banner

الجامعات الأردنية خطوة للأمام وخطوتين للخلف

د. انيس خصاونة
جو 24 : كنت على وشك أن أعنون مقالتي هذه ب "الجامعات الأردنية مكانك سر" ولكن للأسف وجدت بأن حتى هذا العنوان لا يعكس واقع الحال المؤلم الذي يشير إلى أن جامعاتنا ليست هي فقط في مكانها ولكنها تشهد تراجعا واضحا في تقدمها ، وجودة مخرجاتها ، وتأهيل كوادرها ، وضعف موازناتها ، وسوء إداراتها .لم أكن يوما قط محبطا مما يجري في الجامعات بقدر ما ألحظه ويلحظه معي الجنود المجهولين الذين ما زالوا يعملون وهم يرون بأم أعينهم كيف تتقهقر مؤسساتنا التعليمية في الوقت الذي تتحدث قيادات الجامعات ودهاقنة التعليم العالي في المملكة عن تطور التعليم الجامعي وعن خطط وعن إصلاحات لم نرى نتائج لها على مدار عقود من الزمن. كيف يمكن أن نقنع دافعي الضرائب الذين يمولون مؤسسات الدولة الأردنية ومن ضمنها مؤسسات التعليم العالي بحرص القيادات الجامعية وحصافتها في إنفاق ما يدفعون من ضرائب ورسوم إذا كانت هذه القيادات في حالة "بطوطية" من سفر وترحال دائم يكلف الجامعات مبالغ باهظة ومياومات ناهيك عن غياب القيادة عن إدارة دفة المؤسسة الجامعية؟رئيس إحدى الجامعات الذي لم يمضي على تعيينه شهرا واحد يسافر خمس سفرات ويلحق السفرة بالسفرة وهو لم يتمكن بعد من معرفة واقع جامعته والتحديات التي تواجهها؟كيف يمكن أن نقنع المواطنين بأن التعليم العالي بخير ويتجه نحو الإصلاح في الوقت الذي نقوم بخلع مجلس التعليم العالي وتبديله بمجلس آخر وذلك من أجل زيادة عدد الأصوات المؤيدة للوزير ورغباته ؟كيف يمكن أن نقتنع بأن تقييم أداء رؤساء الجامعات يمكن أن يكون موضوعيا إذا كان هؤلاء الرؤساء ليس لهم أية صلة أو تأثير في مدخلات جامعاتهم من حيث مستوى الطلبة وحجم الموازنة والموارد المالية وأحيانا كثيرة التعيينات القيادية التي تتدخل فيها أجهزة ومؤسسات ليس لها صلة بالتعليم العالي من قريب أو بعيد؟ كيف يمكن أن نصدق نوايا بعض أدعياء إصلاح التعليم العالي إذا كانوا هم متورطون في خلع رؤساء يشهد لهم الجميع بأدائهم الجيد ليقوموا بتفصيل أسس ومعايير لا تنطبق إلا على أحبائهم المطواعين الذين يلبون ويستجيبون لحنين رؤسائهم إلى السلطة؟

بالتأكيد أن هناك من الشخوص ممن لديهم نواياه صادقة لتطوير التعليم العالي ولكن قلة منهم ممن يصلون إلى مراكز صنع القرار التي تمكنهم من ترجمة وإبراز مساهماتهم النوعية وذلك لعدم توفر بعض المتطلبات التي لا علاقة لها لا بالأكاديميا ولا بالإدارة الأكاديمية ومن أبرز هذه المتطلبات التسحيج والممالئة لمن بيده الحل والعقد.

أما الحكومة فهي على ما يبدوا لا تعطي أي أولوية للتعليم العالي ومشكلاته المالية والإدارية. الحكومة تلزم الجامعات بتدريس بعض شرائح الطلبة بدون رسوم حيث أن مجمل النفقات التي تكبدتها الجامعات الرسمية على مدار السنوات الأربعة الماضية والمتعلقة برسوم الطلبة ممن يعاني ذويهم من أوضاع صحية مصنفة "جسيم " و "منح ديوان ملكي" و"حاجات خاصة"خمسة وثمانون مليون دينار .وفي الوقت الذي يحق لهذه الشرائح التي خدمت المجتمع أن تتمتع بتعليم مجاني فإن على الحكومة أن تتحمل هذه النفقات ولا يجوز أن نثقل هذه المؤسسات الأكاديمية بمنح ومكرمات غير مدفوعة الثمن فهي كمن يظهر كرمه على حساب الآخرين.

أما هذا الاهتمام المفرط بالجوانب التشريعية في قوانين وأنظمة التعليم العالي فإنه لا يضمن إحداث التطوير المنشود نظرا للهوة الكبيرة بين مضمون القوانين والتشريعات وما يمارس على الأرض.فلجان تقييم أداء رؤساء الجامعات ومعايير التقييم وكذلك معايير مقابلة المترشحين واختيار رؤساء الجامعات كلها شكلية وعلى الورق ويمكن استخدامها وحرف بوصلتها لتعيين شخص بعينه من ذوي الحظوة ولنا في التعيينات الأخيرة لرؤساء الجامعات خير أمثلة على التلاعب وسوء النية والتحيز الواضح لدى اللجان ورؤسائها.

وعود كبيرة تقطعها الحكومة على نفسها بدعم عدد من القطاعات من ضمنها النقل العام والصحة والتربية والتعليم في حين أن التعليم العالي يترنح وإصلاح الجامعات لا يكاد يتجاوز الهرطقة والكلام النظري الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.وزير التعليم العالي الذي كان لديه بعض المقترحات والأفكار التطويرية خذله رئيسه أمام لجان مجلس النواب عندما تخلى عنه وعن أفكاره التطويرية أمام ضغط بعض المشرعين للمحافظة على أسس قبلية وعشائرية في القبولات الجامعية.

الإصلاحيون الحقيقيون في غربة شديدة وحال التعليم العالي ومصلحوه كحال الأيتام على موائد اللئام والجامعات تسير إلى الخلف وليس إلى الأمام فهل تستدرك الحكومات الأزمة الصعبة التي تمر بها مؤسساتنا الجامعية التي حسبنا يوما بأنها مصدر علم وإشعاع بقدر ما هي مصدر فخر واعتزاز…
تابعو الأردن 24 على google news