مسح جوخ
ما أن يكمل أحدنا دراسته الجامعية إلا ويكون حلمه الحصول على وظيفة تحقق تطلعاته ، ولكنة ما أن يبدأ العمل حتى يدخل بصراع ذهني في ما يراه على ارض الواقع وما كان يرجوه سابقا ،وذلك بحكم معرفته الطفيفة في الأسس الوظيفية التي وضعها خبراء "الدجل والغزل والهزل".
موظفنا المسكين هذا ما أن ينهي عامه الأول إلا وتجده في حيرة من أمره ، جراء الصدمة التي تعرض لها بعد اطلاعه على الواقع المرير الذي تعيشيه معظم مؤسسات الدولة الأردنية ، والتي ستجبره على أن يغير القيم والمبادئ التي تربى عليها ، حتى يضمن بقاءه في الوظيفة ، أو تطوره فيها ، وحال أراد ذلك ، فيجب عليه أن يمتلك عدة مهارات خاصة ، تبدأ بتغير شخصيته من الاستبداد بالرأي، إلى التوافق مع فريق العمل وغض الطرف عن جميع الأخطاء ، وإلا سيتعرض لحرب شللية يقودها موظفون متقلبو الوجوه ، والأقوال ، والأفعال "طبعا "، هذا إذا لم تكن لديه واسطة كبيرة تسير عملة من "تحت الطاولة".
وبعد أن يتم موظفنا الطموح خطوته الأولى ، لابد أن يمتلك فنون البلاغة ، والكلام المعسول مع المدير ، وعليه ان يذهب يومياً في الصباح والمساء "ليقدس" له ، وينقل له كل"شاردة وواردة" ، وان يشعره بأنه "الإلاه" المسيطر على بيئة العمل، ليضمن كل المكتسبات الإدارية ، والتي يتربع على رأسها تقيمه السنوي ، وبالتأكيد في حال تقيده في الخطوات الصحيحة سيحصل على تقدير "الامتياز" ، وربما سيحصل على جائزة الموظف المثالي.
أما الخطوة الأخيرة التي يجب أن يلتزم بها الموظف المثالي فهو التوقيع على دفتر الحضور ،والمغادرة ،وليس مهما ماذا يفعل وماذا ينجز من أعمال أثناء ساعات العمل ،التي يبدؤها الكثير من الموظفين بجلسة صباحية تستمر ساعة يتخللها إفطار ، وشرب "للشاي والقهوة" في اغلب الأحيان ،وساعتان قبل وبعد صلاة الظهر والعصر ، فيما يذهب آخرون لنقل أبنائهم من المدارس ، عداك عن تهرب بعضهم لعدة ساعات ،وسط غياب الرقابة.
"مسح الجوخ" يا إخوتي ليس قرارا فجائيا ولكنه جاء نتيجة لتجربة وخبرة مارسها موظفو الدولة على مدى السنوات الماضية واللذين عرفوا من أين تأكل "الكتف" في الحصول على ما يريدون لعدم امتلاكهم "واسطة تسند ظهورهم ".
اليوم يجب على كل خريج أو طموح في الحصول على العمل أن يتلقى تدريبا مكثفاً عند خبراء "مسح الجوخ" من الموظفين اللذين أتموا عشرة أعوام فأكثر حتى يكون ناجحاً و إلا سيبقى ملتصقاً بمادة "الغراء الخشبي" بنفس الكرسي حتى يغادره إلى التقاعد أو مستشفى للأمراض النفسية وهو يجر "أذيال الخيبة والحسرة" على عدم فهمه للعبه وسينال "الكرت الأحمر" من قبل زملائه ومديره، وعليه أن يرفع شعار "مسح الجوخ" عاليا ويغني "عشنا وياما حنشوف عوجا والطابق مكشوف" !!!
