هل نحن من كوكب آخر؟
حمزة منصور
جو 24 :
تعارفت دول العالم، غنيّها وفقيرها، العريق في التّجربة الدّيموقراطيّة منها والطّارئ عليها، على نظم إنتخابيّة اقتنعت بها، ورأت فيها سبيلا لتمثيل شعوبها، وتقبّلتها الشّعوب بقبول حسن، بما في ذلك الشّعوب الّتي خرجت من عباءة الإتّحاد السّوفيتي بعد إنهياره. وحققت هذه الدّول تقدّما على طريق المسار الدّيموقراطي، وبقينا نحن في الأردنّ وحدنا، دون سائر خلق الله حقل تجارب، وكأنّنا طارئون على الإنتخابات النيابيّة، أو حديثو عهد بالإستقلال، ونحن الّذين مارسنا العمليّة الإنتخابيّة منذ قرابة تسعة عقود، ولم يكن هناك يوما اعتراض على النّظام الانتخابي، وإنّما كان الإعتراض ينصبّ على إدارة العمليّة الإنتخابيّة، وما يصاحبها من تجاوزات. فمّرة يهبط علينا خبير بفكرة الصّوت الواحد المجزوء، الّذي أسهم في تراجع خطير في مستوى الثّقة بمجلس النّوّاب، وهو ما عبّر عنه تقرير المعهد الجمهوري الأمريكي، الذي صدر مؤخرا، كما أسهم في تكريس الإنتماءات الضّيّقة على حساب الانتماء للوطن، وتسبّب في إحداث شروخ مجتمعيّة، ابتداء بالأسرة، وانتهاء بالقبيلة، ثمّ تفتّقت عبقريّة أصحاب القرار عن نظام الدوائرالوهميّة، الّذي أصبح محلا للتّندر، وتمّت مغادرته غير مأسوف عليه. واليوم جاء دور القوائم المفتوحة على مستوى المحافظة، أو جزء من المحافظة، بعد أن نُزع من هذا النّظام الدّسم، فهي ليست قوائم حزبيّة، كتلك الّتي عرفتها الدّول الدّيموقراطيّة. مما يؤكّد أنّنا سنجد أنفسنا أمام عدد من القوائم لا حصر له، وبالتالي ينتفي هدف تفعيل الحياة الحزبيّة، الّتي روّج لها مهندسو القانون. كما جعل القوائم مفتوحة، والعامل الحاسم فيها عدد الأصوات داخل القائمة الواحدة، الّتي ترتّب حسب الحروف الهجائيّة وليس وفقا لمرجعيّة الكتلة. ما يفتح الباب أمام ممارسات تزعزع الثّقة داخل الكتلة الواحدة، وغاب عن النّظام الإنتخابيّ ما يعرف بعتبة الحسم، الّتي كانت –ولو بالحدود الدّنيا– موضع إجماع لدى الأحزاب السياسيّة، وحل محلها ما سمّي أكبر البواقي، مما يحرم المجلس من كتل فاعلة، تسمح بتشكيل حكومة برلمانيّة، وبتداول السّلطة.
ومع اقتراب موعد الإنتخابات النيابيّة، وتصدّي الرّاغبين في التّرشّح لعضويّة مجلس النّوّاب لمحاولة تشكيل قوائم انتخابيّة، اتّضحت صعوبة التّعامل مع هذا النّظام الانتخابيّ، وراح الكتّاب الصّحفيّون والسّياسيّون، يعبّرون عن قلق بالغ إزاء هذا النّظام الانتخابيّ، وآخر ما طالعت في هذا الصّدد مقالة الكاتب الصّحفيّ نضال منصور، مدير مركز حماية وحريّة الصّحفيين بعنوان "الرئيس الملقي ولغز القوائم الإنتخابيّة، المنشورة في صحيفة الغد، في عددها الصادر في 3/7/2016، والّتي جاء فيها:
(ورغم "الطّلاق" مع قانون الصّوت الواحد، إلا أنّ ورطة القّانون الجديد لا تقلّ بأسا على المرشّحين. حتّى الآن لم أسمع أيّا من المرشحين يجاهر بأسماء القائمة الّتي ينتمي لها) ويضيف (حدّثني مرشّح معروف، كان نائبا سابقا، ووزيرا سابقا، عن ظاهرة سرقة المرشّحين في القوائم، لذلك أصّر ورفض أن يبلغني بأسماء أعضاء الكتلة).
وبالتّزامن مع هذه المقالة، وفي الصحيفة ذاتها، جاءت مقالة الدّكتور صبري ربيحات، الوزير السّابق، بعنوان: بدّي حصانة، الّتي قال فيها: (الإنتخابات البرلمانيّة على الأبواب، فلا يفصلنا عنها إلا عشرة أسابيع وبضعة أيام، ومع ذلك فإنّ غالبيّة النّاس لم يدخلوا في الأجواء الّتي تحدثها الإنتخابات، البعض لا يلقي بالا للنّقاشات، الّتي يحاول الرّاغبون في التّرشّح افتعالها، لجسّ النّبض، أو خلق الفرص لتقديم أنفسهم. آخرون يعلنون مقاطعتهم، والغالبيّة العظى لا تبدي حماسا للحديث أو البحث في موضوعها تحت أيّ عنوان).
فهل هذه الحالة الّتي نشهدها اليوم، والّتي ستتضح مشاهدها أكثر بعد إجراء الإنتخابات وإعلان النّتائج تليق بالأردنّ؟ وهل ستؤسّس لحياة نيابيّة حقيقيّة تتّفق والنّصّ الدّستوري (الشّعب مصدر السّلطات)؟ وهل ستسهم في تعزيز الثّقة بالمجالس النيابيّة المنتخبة بموجب أنظمة انتخابيّة لم تعتمدها دولة ديموقراطيّة واحدة؟ وهل ستعزّز استقرارنا، وتزيد من تلاحم نسيجنا المجتمعي في ظلّ تحدّيات داخليّة وإقليميّة خطيرة؟ وهل تليق بشعب على درجة عالية من النّضج والثّقافة كشعبنا الأردنيّ ؟
هذه الأسئلة وغيرها كثير تبقى برسم الإجابة عليها من أصحاب القرار. بقي أن أقول: إنّ الأردنّ جزء من هذا العالم، ومن حقّه أن يتمتع بالمنجزات العلميّة والحضاريّة، ومن التّجربة الإنسانيّة على قاعدة (الحكمة ضالّة المؤمن) الّتي حقّقها العالم، وليس جزيرة معزولة، أو دولة من كوكب آخر.