jo24_banner
jo24_banner

إلى رحمة الله يا أبا الطيب

حمزة منصور
جو 24 : مصابنا فيك يا أبا الطيب جلل، وخسارتنا بفقدك عظيمة، والمكلومون برحيلك كثيرون، ومن كل الشرائح، ومختلف الأعمار. فمن لا يذكر برنامجك الإذاعي – قبل أن نعرف التلفزة والقنوات الفضائية – هدي الإسلام، يوم كانت كلماتك العذبة تتغلغل في أعماق القلوب، فتحييها بآيات القرآن الكريم، وتوجيهات السيرة النبوية المطهرة، وبمواقف قرون الخيرية والسائرين على نهجها ؟ ومن يجهل القلب المعلق بالقدس، الذي فاض بروائع القول شعراً ونثراً، وتحفيزاً لأبطال القوات المسلحة والمقاومين البسلاء؟ ومن لا يذكر للطيب أبي الطيب جهاده في إقرار القانون المدني، كمقدمة لتشريع إسلامي، يغطي جوانب الحياة جميعاً، ويشكل الموجه والباني والضابط لسلوك أردن الحشد والرباط ؟

ولئن أبدع معاصرو أبي الطيب كل في ميدان من الميادين، فلقد تألق الراحل الكريم في ميادين عديدة، حظي من خلالها بالحب والاحترام والتقدير. فلقد كان علماً من أعلام الدعوة الإسلامية، تفوق فيها جندياً وقائداً، يمحضها فكره النير، ورأيه السديد، وحكمته البالغة، فتأتي كلماته برداً وسلاماً، تهدئ الخواطر، وتقرب البعيد، وتحسم الخلاف، حتى وصف رحمه الله بأنه قفل الفتنة. واحتل القرآن الكريم منزلة لا تدانى لدى الشيخ إبراهيم، فقاد جمعية المحافظة على القرآن الكريم مع ثلة من إخوانه، يعلمون الناس كتاب الله، ويحببونه إليهم، وينشرونه بينهم، ويفتحون له مراكز عمت أرجاء الوطن، وأسهمت في تهذيب طباع المواطنين، وترشيد سلوكهم، فتبوأت الجمعية، وتبوأ معها الوطن مرتبة متقدمة بين الأشقاء العرب والمسلمين.

وأخذ الدكتور إبراهيم موقعه في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية، وتبوأ عمادتها، وقاد مسيرتها، يرعى أساتذتها، ويعدون معاً جيلاً قرآنياً يؤمن بشمول الإسلام وكماله وأهليته لبناء الأمة من جديد لاستئناف دورها الحضاري.

وخاض أستاذنا الحبيب غمار السياسة وزيراً للأوقاف، ونائباً في البرلمان، وساعياً لإحياء رسالة المسجد، منحازاً إلى قضايا الأمة، مؤمناً بدور الإمام والخطيب والواعظ في الإصلاح على خطا الجيل الأول، الذي انطلق من محراب الصلاة، ومنبر الدعوة. ولا يرى سلطاناً على القائمين على الوعظ والإرشاد إلا سلطان الشرع، وليس كما فعل غيره، ممن ألحقوا المسجد ببعض الدوائر الأمنية، فأصبحت سيفاً مصلتاً عليهم. ومن موقعه النيابي سلط الضوء على كثير من السياسات، يسبر غورها، ويكشف فسادها، ويطالب بوضع حد لها.

وظل شيخنا المفضال في أحاديثه وخطبه وأشعاره يعبر عن طبع سمح، وخلق رفيع، وأدب جم، جعله قريباً من الجميع، يُحِبُ ويُحَب، ويألف ويؤلف، ولكنه يغضب، ولا يغضب لنفسه، إنما لعقيدته ومبادئ دينه وللمصالح العليا لوطنه وأمته، وحين يغضب تسمع زمجرة أسد، ودمدمة ريح.

وكان المسؤولون على اختلاف درجاتهم ومواقعهم يقدرون كلمة أبي الطيب، ويسارعون إلى التجاوب معها، إدراكاً منهم لصدق الرجل، وغيرته على دينه ووطنه وأمته. ويحضرني في هذا المقام يوم أقام بعض المسؤولين تمثالاً للملك حسين رحمه الله إلى جوار مبنى رئاسة الوزراء، وعلى قارعة شارع رئيسي، فكتب أبو الطيب مقالة في صحيفة السبيل بعنوان ( كيف تبنون صنماً لابن محطم الأصنام ) وقبل مرور أربع وعشرين ساعة كان التمثال قد غادر المكان. فرحمات ربي وغفرانه على قبر ضم رفات الأخ الحبيب، والداعية الكبير، والمجاهد بحق الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، ولأسرته الكريمة، وأنجاله الأحباء، ولدعوته المباركة، دعوة الخلود والصبر والسلوان وحسن العوض، والتأسي بخلقه وسيرته، وهو يرعى الناشئة، ويحفظ الود، ويسد منافذ الفتنة.

وإنا لله وإنا إليه راجعون


(السبيل)
تابعو الأردن 24 على google news