الدمج المطلوب للمؤسسات المستقلة
شكلت المؤسسات والهيئات المستقلة في السنوات الاخيرة احد ابرز ملامح الهدر المالي للدولة والذي ساهم بشكل او بآخر في تنامي العجز وزيادة المديونية ، لذلك كانت الاصوات تعلو على الدوام لتقييم تلك الوحدات التي لغاية يومنا هذا لم يجر اي تمحيص في انشطتها.
منذ اكثر من عامين والجميع ينادي بدمج تلك المؤسسات المستقلة والعودة الى واقعها الطبيعي ، فقد كانت في 2003 لاتتجاوز 35 مؤسسة ، تدر فائضا سنويا على الخزينة بحوالي 126 مليون دينار ، لكن الغريب انها ارتفعت الى 65 مؤسسة بانفاق يبلغ مليارين وعجز يقترب من نصف مليار ومديونية ضعف هذا الرقم تقريبا .
المطالبة بالغاء ودمج تلك المؤسسات لا ياتي فقط لمجرد هذا الشعار ، فالمتابعون لمسيرة بعض تلك الوحدات يرون فيها هدرا للمال العام ومظهرا من مظاهر البذخ في الانفاق غير الرشيد الذي اصاب جسم الدولة المالي في السنوات الاخيرة .
بعد كل محاولات الدمج واعادة الهيكلة التي قادتها الحكومات السابقة في هذا الامر وجميعها باءت بالفشل تسعى حكومة النسور الى تجاوز هذا التحدي والبدء فعلا بعملية حقيقية للدمج.
هذه المسألة معقدة للغاية خاصة في هذه الفترة التي يغيب فيها عن المشهد السياسي مجلس النواب صاحب الولاية في الغاء القوانين والتشريعات المنظمة لعمل تلك المؤسسات والوحدات المستقلة التي هي اصلا تم تأسيسها في السابق بموجب قوانين مؤقتة ثم اقرها مجلس النواب واكتسبت صفة الديمومة.
دمج المؤسسات المستقلة اليوم يحتاج الى خطوات ادارية ومحاسبية قبل الشروع به ، فالامر يحتاج من الحكومة تقييم فعلي باتجاهين مالي وفني لاداء تلك الوحدات ، لان مشروع القرار الحكومي للدمج الذي اقره مجلس الوزراء قبل اسبوعين تقريبا اشار في الاسباب الموجبة الى وجود ازدواجية وتداخل وتضارب في المهام .
هذا سبب مهم وحيوي يدلل على ان الكثير من تلك المؤسسات لعبت دورا فوقيا في الصلاحيات تجاوزت فيه وزارات بعينها لا بل البعض منها تحول الى جزر معزولة في القرارات والتي كان الكثير منها متجاوزا على قرارات مجلس الوزراء بذاته.
من الاسباب الاخرى للدمج هو الضبط المالي والانفاق غير الرشيد الذي مارسته بعض الوحدات، والتي حرمت الخزينة من عائداتها وباشرت باتخاذ قرارات مالية ادت الى ارهاق موازناتها وانعكاس ذلك على الموازنة العامة التي تحملت فيما بعد تلك الاعباء ومصاريف وانفاق تلك الوحدات التي لم تعد مستقلة ماليا .
هناك اكثر من 17 مؤسسة خاضعة في مشروع قانون الدمج لاعادة الهيكلة ، هذه المؤسسات لن تختفي اليوم من المشهد ، لكن مجلس النواب المقبل هو الجهة الفيصل في اتخاذ القرار السليم في اعادة رسم دورها من جديد.
لكن السؤال الاهم ماذا بالنسبة للعاملين في تلك المؤسسات ؟ هل سيبقون في مناصبهم؟ ام هل سينتقلون الى المؤسسات الجديدة بعد الدمج ليضافوا الى الاعداد الكبيرة في المؤسسات والوزارات العامة؟.
(الراي)