ولا ... في الأحلام
وهي تراقب المطر المنهمر بغزارة من على نافذة بيتها ، نظرت الى السماء شاكرة خالقها على هذه النعمة ، وأغمضت عينيها وهي تودع العام متمتمة بكلمات ... قائلة ...
كان عاما قاسياً، شقيّاً، متعباً، كم من الدموع ذرفناها على أحباب وأصدقاء، أخبار الموت والدمار أصبحت لازمَتِنا الصباحية، والفقر وغلاء الأسعار مقبلات المائدة الإخبارية ، وانتهاك حقوق الانسان والهجرة العصير المفضل لدى المواقع الالكترونية ، وتعلمنا أن الفيّلة تنبت لها أجنحة ، وتطير في الفضاء ، كالعصافير ، وأن الأسد ملك الغابة ، سيأتي حاكماً الى المدن والأرياف فهو يملك عصاة سحرية ، وصدقنا ما قيل لنا ، مع علمنا أنها كذبة ، وقلنا ربما ... فنحن في زمن العلم وهو القادر على كل شيء ، بعد الله ... وأخبرتنا الفضائيات العربية التى أصبحنا نرى فيها كل الخيال العلمي وغيره أن الأنهار تجف وهناك احتمال أن تسير الى الوراء ... فلم نستغرب لأن مقدم النشرة جاد وشكله وقور ... وقلنا انه زمن الهرولة الى الخلف... واذا عاكسنا ما نسمعه ، سنُتهم بالتخلف والجهل وما علينا الا الاصغاء وعدم المناقشة ... ورأينا زعيماً مفتوناً ومولعاً بالأزهار ، بينما يصوب بنادق وصواريخ زُمرته وأعوانه من كل االجنسيات الى صدور شعبه ، فهو الضاحك وهم المنتحبون ... هو العاشق للمديح ، في قلب ميت وعقل مأجور ، فمن يبيعه الكلام اليوم سيؤجره لغيره غداً...
كم حالنا في هذا العام محزن وشقي ، ولن يعتب التاريخ علينا إن صنفناه في القائمة السوداء، فكم من أطفال ماتوا قبل أن يولدوا؟ وكم من الظلم احتملوه الشباب والشياب ؟ حتى ضاق بهم الصبر واصبحوا لا فرق بينهم وبين الموتى .
لا مجال للعد أو الإحصاء ، كم أخ قتل أخاه ؟ وكم أم بكت إبنا أو زوجا ؟ فالقائمة تطول ولن تغلق ...
وتضخمت لغة التجار من كل الأنواع ، وكثر عدد اللصوص المكرمين .
وقبل أن تفتح عينيها ... تمنت أن تتبدل الأحوال العربية ، وتتغير... وتتوحد الكلمة والصف في دولة قوية عظمى !!! وتوقفت... لا ... ، يبدو أنني سرحت أكثر من الخطوط المسموح بها ، عودي وتسائلي ولا تتمني... هل سنغزو الفضاء ، ونرغم كل القراء على استيراد مؤلفاتنا ، فعندنا الكثير ، ويصلح للتصدير ، وبأسعار التنزيلات ، ولا تقبل المزاحمة أو المنافسة ؟ هل سنتوفق في القضاء على المدعى عليه الفقر وأخوه المرتشي الجوع ؟ هل سينال أُدباؤنا جوائز عالمية ؟ هل سنكف عن استيراد السجائر الأجنبية ، ونحافظ على ثرواتنا من التبدد؟ هل سيتوافد السيّاح الى بلادنا الجميلة للتمتع بالاقامة أياماً وأياماً يخلدون فيها الى الراحة بفضل المعاملة الحسنة ، والنظافة المطلقة ، والأسعار اللامعقولة ؟ وهل يكف شيوخ الشِعر عن نظم قصائد المديح العالي مقابل حفنة من الدراهم ؟ وأخيرا هل سنفخر أننا دولة بترولية ، وسددنا عجز ميزانيتنا بإراداتنا المحلية؟ وهل سيعود رجالنا الى العباءة والكوفية ، ونساؤنا الى أثوابهن المطرزة بأيديهن ؟
وفتحت عينيها على صوت «ملاك الرحمة» ، قائلة ... استيقظي أنت في غرفة الانعاش ، انتهت العملية يا «سيدة» !
(الدستور )