2024-04-30 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

عيد الأم مقدس بدماء الشهيد

هبة أبو طه
جو 24 :
يوما ما في طفولتي طلب مني ان اكتب موضوعا بمناسبة عيد الأم، تبادر حينها لخيالي العديد من الأفكار، كانت بنظري ساذجة لا قيمة لهنّ، و لم يشبعنّ حاجتي في رسم صورة للأم الحقيقية، القوية، الثائرة.
إلا واحدة لا زلت أذكر فحواها كان بطلها شاب سأطلق عليه الآن اسم "حكم" اضطر للسفر ومغادرة وطنه لمهمة عمل طارئة لم تتجاوز عدة ايام، ثم عاد لارضه فلسطين حاملا معه هدية جلبها لوالدته بمناسبة يوم عيدها.
اقترب من الوصول لمنزله لكنه توقف بشكل مفاجئ حين صادفته الدماء والأشلاء المتناثرة والجثث الطاهرة، فاحساس ما بداخله دفعه للتمعن بتلك الأجساد التي صعدت ارواحها الطاهرة عند بارئها، أخذ يستنشق رائحة الدماء الزكية، و يلقي التحية للشهداء، سار بينهم خطوتين فقط حتى وجد والده من بين هؤلاء، لم يجزع، لم يصرخ، لم يدمع، بل اضطرب شعوره واصبح بين متناقضين لا يلتقيان الا بتلك اللحظات ألا وهم الفرح و الحزن، كان فرحا لانه اصبح ابن الشهيد، وكان حزينا لفراق والده.
رغم الغضب الذي اعتراه و دافعه للانتقام من مغتصب أرضه حمل والده وأخذ يحفر بالأرض القريبة من منزله، والشرارة تخرج من عيونه و رائحة المسك التي تفوح من جسد ابيه تطفئ ناره، ودع ابيه في تلك الحفرة التي ازدادت طهارة بدماءه، وقسم بالثأر، والقى الهدية التي جلبها لوالدته ليهديها ما أقسم به.
تمالك حكم أعصابه وكان قويا اكثر مما يتصور فاليوم عيد الام وعليه ان يخفف من وطأة غضبها و جزعها على فراق والده الذي لم يكن زوجها فحسب بل كان ايضا رفيقها الذي ناضلت واياه سنوات في تنظيم سري مقاوم للاحتلال الصهيوني.
رغم جرحه كان متلهفا للقاءها فلم يبقى بينهما سوى خطوتين في تلك الأثناء وصل حكم ليجد منزله ركاما قبلّ جبينها ويدها ووعدها بالثأر، جلس فوق منزله المهدوم وازير الرصاص من حوله واوراقه التي دون بها أحلامه تتناثر في عنان السماء، مسك قلمه وكتب على ورقة وضعها بمغلف وذهب.
بعد ساعات وجيزة فتحت والدته المغلف و بدات تقرا رسالته، واذ باصوات الزغاريد تتعالى من حولها على انغام الأغنية الفلسطينية المعروفة "يا أم الشهيد وزغردتي رجع البطل عكفوفنا كل الشباب ولادكي ، حيا الله الأخت الثائرة حيا الله الأم الصابرة"
في الوقت الذي كانت ترى ما دونه لها في نهاية الورقة "القيت الهدية التي جلبتها لك لانها لم تعد ثمينة بنظري، لكن سأهديكي يا أمي عهدي الذي قسمت ان انفذه وانت تقراين ما سطرته لكي بأحرفي الشهادة لأجل فلسطين لأجل الثوابت التي زرعتيها بي انت ووالدي، فلأجلك سأرقد بجانب أبي و سأراك بعيون فلسطين، التي لم تخذليها يوما فدمتي يا أمي حرة وحرة".
كنت اتمنى ان تقتصر قصة البطل حكم على خيالي، و ان لا يكن ذهني نسجها من مآسي الواقع، كنت اتمنى ان احتفل في هذا اليوم و اهنئكم لكن لا استطيع ذلك و هذه القصة تعيشها امهات وطننا العربي المتشرذم الغارق بالدماء والمنهك من خيانة حكامه كل لحظة، ففي هذا اليوم سأقل لأم الشهيد في أرجاء هذا الوطن الضائع المستعمر تحية اجلال لك ولرحمك الذي انجب لنا رجالا عاندوا المستعمرين و ضحوا لأجل كرامتنا و لأجل ان تبقي حرة في هذا اليوم، فعيدك مفعم بالحرية و الكرامة والعروبة يا أمنّا.
تابعو الأردن 24 على google news