2024-04-30 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

جدي وفارس والنكبة

هبة أبو طه
جو 24 :



"يافا وبحرها وامي وأبوي وبيتنا وذكرياتنا والحب"، "انتي ما بتعرفي قديش بيتنا حلو بيافا المفتاح موجود ورح نرجع غصب عن كل الدنيا واذا ما رجعت أنا انتو حترجعو" كلمات كان يقولها لي جدي دوماً منذ طفولتي حتى مماته قبل عام ونصف. كان دوماً يُحدثنا عن يافا وجمالها والسحر الكامن ببحرها وعندما كُنا أطفالاً كان يُحدثنا عن أرضنا ومنزلنا هُناك وعن جمال الحياة في ربوعها وعن الثقافة و العلم وولادتهم بها منذ الأزل كان يروي دوماً قصص لنا عن أرضنا وكل قصة لها ذات الخاتمة الحزينة المتمثلة بأغراب اغتصبوا أرضنا وأخرجوه وعائلته عنوة منها.

جدي علمني منذ نعومة أظافري أن لي منزل هناك في البعيد وأن لي بلاد اسمها فلسطين وكان دوما يقول " لو بتمر مليون سنة ما بننسى البلاد، اوعك تنسي فلسطين"، بلغتُ على أنّ لي حق عودة وأن ما انتزع بالقوة لا يُسترد إلاّ بالقوة ودوماً أستذكر حديقة جدي المُطلة حيث علمني بها وأخي في الإنتفاضة كيف نصنع "اللقيفة" وكيف نرسم علم الإحتلال ونحرقهُ ونرفعُ علم فلسطين ونُغني كلمات أغنية "اني اخترتك يا وطني حبا وطواعية اني اخترتك يا وطني سرا وعلانية" ومن ثُم ننتظر والدي ليجلب لنا الهدية التي وعدنا بها والتي لم تكُن لعبة أو ما شابه بل كوفية نضمها ونستنشق رائحتها ونُغني فرحا أنا وفارس أخي لفلسطين. ومن ثم نذهب أنا وفارس لنلعب سوياً لعبتنا المُفضلة حيث كُنا نجمعُ ألعابنا "الدباديب" ونقسمهم بالتساوي ونفترض أنهم جيوشنا ولكل واحد جيش الأول جيش عربي والثاني جيش العدو الصهيوني و كل واحد منّا يقود جيشه من "الدباديب" وكُنا نتشاجر دوماً على من يقود الجيش العرب ومن يقود جيش العدو ويجب أن تنتهي اللعبة دوما بخسارة جيش العدو وكانت لعبتنا هذه بذهننا ونحن أطفال تدريبٌ نتدربه حتى عندما نكبر نذهب ونقاتل جيش العدو ويوماً ما صمم فارس على أن يختبر قدرتي في مُقاتلة جيش العدو ليطمئن حين نذهب أنا وهو سويا الى فلسطين ونكُن مع جيش العرب أن لا أخذله وفعلاً كان فارس عنيفا بالقتال وأنا كذلك ودون قصد دفشني فوقعت أرضاً على حديدة الملف "الجلاسور" وبدأ الدم ينزف منّي وهُنا صار فارس يصرخ ويبكي فذهبت الى المستشفى وقطبوا لي الشرخ الذي أصاب جبيني وعندما عُدنا الى المنزل أكملنا اللعبة لنتدرب وننتصر حينما نكبُر ونذهب نُحرر فلسطين.

كُنا نظنُ أن المستقبل جميل وأن فلسطين كما كان يقول جدي ليست بعيدة فهي قريبة جداً منّا وتحريرها ليس أمر صعب بل سهل وأن جيوش العرب ستنتظرنا حينما نكبر لنلتحق أنا وفارس بها، كبرنا ويا ليتنا لم نكبُر يا ليتنا بقينا على جيش الدباديب وعلى حديث جدي وعلى الأغاني الوطنية التي كان أبي يُشغلها لنا من خلال المسجل الذي يضع به أشرطته، يا ليتنا لم نكتشف أن ليس هُناك جيش عربي واحد وأن سايكس بيكو مزق وطننا العربي وجعله أقطار يا ليتنا لم نكبُر ونكتشف أن فلسطين بعيدة وليس كما قال جدي قريبة فبالمسافة نعم قريبة وليس بيننا وبينها سوى عسكر وحدود رسمها الاستعمار لكن هي بعيدة جدا بعيدة عن أعين انظمتنا العربية وبذات الوقت قريبة لوصولهم لسدة الحكم وقريبة ليكذبون ويبيعوننا الشعارات باسمها و حين تأتي ساعة الجد تُصبح بعيدة، يا ليتنا لم نكبُر وبقينا نظنُ أن العدو الصهيوني في فلسطين فقط وليس على بعد بضعة كيلو مترات من بيتنا في الرابية حيث يقبعُ عدونا السافل بسفارة يُرفع بها علمه يا ريتنا لم نكبر ويا ليتنا بقينا أنا وفارس على جيش الدباديب.

لكن رغم كل ما اكتشفناه ما زلنا على يقين أننا سنُحطم حدود سايكس بيكو و سنلتحق بجيش عربي واحد ونعود لفلسطين، وما زلنا نحفظ كلمات جدي عن ظهر قلب فجدي حتى عندما أخذت منه السنين وكبُر في العمر وتعدى التسعون عاماً وأصيب بمرض "الزهايمر" إذ كان ينسى أسمائنا وأحيانا يسألنا من أنتم ماذا تفعلون هُنا لكن الأمرُ الوحيد الذي لم ينساه يافا وبحرها ومُفتاح منزله بها عاش ومات وهو يُحدثنا عنها وهو يحلم بالعودة لمنزله، أنا وفارس ورثتنا من جدنا أعظمُ وأثمن ورثة لا تُقدر بمليارات وكنوز ألا وهي الحلم بالعودة ليافا ومفتاح بيتنا هُناك حتما سنعود وأقسم لك بالرب الجبار يا جدي أننا سنُحقق حلمك ونعود وسنحدثك ونحن ننظر لصورتك وستسمعنا ونحن في بيتنا بيافا.

 



تابعو الأردن 24 على google news