jo24_banner
jo24_banner

الانتخابات القادمة ستفجر أزمات تضع النظام في عين الإعصار

د. انيس خصاونة
جو 24 :


من المعروف أن من ابجديات الديمقراطية وأعرافها العريقة أن يلجأ النظام السياسي بقواه وكتله وأحزابه الى الانتخابات العامة عندما تصبح قضايا الوطن الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مختلف عليها لتشكل نتائج هذه الانتخابات استفتاء على هذه القضايا والبرامج من خلال رأي الأغلبية الذي تعكسه نسب تصويت الناخبين. نعم الانتخابات العامة تكون في مثل هذه الحالات ملاذا وحلا لأزمات الدولة عندما يقبل جميع الأطراف والفرقاء بنتائجها محتكمين في ذلك الى الدستور وقانون انتخابات مستقر ومتوافق عليه وعندما يتم إجراء وتنفيذ هذه الانتخابات بنزاهة دون التأثير على نتائجها من قبل الدولة أو بعض الأطراف الأخرى.

يعتقد النظام السياسي وقيادته في الأردن بأن الانتخابات النيابية القادمة ستخرج البلد من أزماته السياسية والاقتصادية وستشكل خاتمة للحراك السياسي المبارك وسينتقل الجدل الى داخل البرلمان ،وستختفي المسيرات ، وستعود المياه الى مجاريها التي عهدناها قبل الربيع العربي .إنها أمنيات وخيالات لا تستند الى منطق وتفتقر الى الدليل لأن الأسس والقواعد التي تجرى عليها الانتخابات وبعض بنود الدستور التي تضع مستقبل الأردن ومصيره ومصير أبناءه بيد الملك هي أبرز القضايا الخلافية بين النظام وبين الحراك السياسي بأطيافه وألوانه المختلفة. كيف يمكن أن يصر النظام السياسي على إجراء انتخابات وفق شروطه وقواعده التي هندسها وصاغها وأمر النواب المزورين باعتمادها لإضفاء الشرعية عليها؟ لماذا هرول النظام الى الانتخابات بمن حضر متذرعا بأن التغيير من داخل البرلمان وليس من خارجه او من على " الرصيف" كما يحب الدكتور عبدالله النسور أن يسميه في الوقت الذي يدرك النظام بأن مجلس النواب القادم ستكون تشكيلته محكومة بقانون استمات النظام تعلقا بهذا المحبوب المسمى قانون الصوت الواحد ؟ يتساءل الكثيرون عن قيمة مجلس النواب القادم اذا لم يكن قادرا على التأثير في وضع سياسات وتشريعات حرة تمثل إرادة الشعب آخذين بالحسبان أن المجلس القادم سيكون عبارة عن تجمع من الأفراد الذين لا يجمعهم فكر سياسي ولا برامجي ولن يشكل بأي حال من الأحوال مؤسسة تشريعية ورقابية متكاملة كما ينص الدستور وهذا الأمر سيمكن النظام عبر أجهزته الأمنية المختلفة من الاستمرار في التغلغل والتحكم والتأثير على إرادة هؤلاء الأفراد الذين يتعطش بعضهم أو ربما كثير منهم الى السلطة والجاه أكثر من خدمة الناس والتأثير على سياسات الدولة.

نعم الانتخابات القادمة لن تشكل انفراجا لأزمة الدولة الأردنية المستحكمة من سنتين وسيكون لمقاطعة الانتخابات التي فرضت على عدة أطراف في الحراك وفي مقدمتها جبهة العمل الإسلامي تأثير كبير على مدى شرعية النتائج التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات المعروفة نتائجها مسبقا وما على أي مهتم بالشأن السياسي الا الاطلاع على أسماء المترشحين سواء بالدوائر الانتخابية أو القوائم العامة ليجد 65% منهم من النواب السابقين ومعظم من تبقى هم ممن لديهم المال الذي يمكنهم من شراء مقاعدهم في المجلس القادم في الوقت الذي لم نرى برامج سياسية واقتصادية حقيقية لدى القوائم العامة.

الانتخابات لن تحل أزماتنا لا بل فإنها ستفجر أخرى وستضع النظام السياسي الأردني في عين الإعصار حيث سينظر إليه من قبل الكثيرين من قوى الحراك على أنه هو السبب الحقيقي الذي يعيق الإصلاح السياسي الذي يستجيب لتطلعات الشعب الأردني. النظام السياسي هو الذي ادعى سابقا بأن سباق الى الإصلاح وأن الملك كان يفكر فيه قبل بداية الربيع العربي ولا أعلم ما الذي كان يمنعه من المباشرة في هذا الإصلاح؟ النظام السياسي هو الذي أصر على تعديلات دستورية لا تتيح تخفيض صلاحيات الملك لصالح الشعب متمسكا لا بل ومصرا على استمرار الملك في التدخل في كافة شؤون الدولة الأردنية في الوقت الذي يضمن الدستور عدم خضوعه للمسؤولية القانونية عن تدخلاته وتأثيره على قرارات الحكومة! النظام تراجع عن الإصلاح لأن الإصلاح يبدوا أنه يفقده القدرة على التأثير والتحكم في إدارة الدولة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية والخارجية. النظام السياسي يريد التغيير في المملكة ولكن ليس ذلك التغيير الذي يفقده السيطرة على مجريات الأمور وهذا الذي يفسر تعنت النظام وتمسكه بالصلاحيات الخرافية التي يمنحها الدستور للملك كما يفسر استماتة النظام في التمسك بقانون الصوت الواحد الذي سيفرز أفرادا يسهل التحكم فيهم عبر وسائله المتعددة والفعالة.

سيدرك كثير من الأردنيين عقب انتهاء الانتخابات بأن النظام السياسي هو أكبر معيق للإصلاح السياسي وأنه يراوح مكانه مراوغا ومدعيا بالإصلاح في حين أنه يسعى جاهدا للمحافظة على الوضع الراهن. نعم سيدرك كثير من المواطنين أن قضيتهم وخلافهم هو مع النظام نفسه ونخشى أن يصبح هذا النظام هو الهدف للشعارات الساخطة، وسيشعر كثير من الإصلاحيين بان تغني النظام وادعاءه بالإصلاح لا يرافقه نيه خالصة في إجراء إصلاح حقيقي، وأن ما يقوله النظام هو مجرد كلام لا تترجمه الأقوال لا بل وتناقضه الأفعال على الأرض .

الانتخابات النيابية القادمة ستعطي مادة جديدة للحراك وتعزز من أسهمه لدى قطاعات شعبية كانت محسوبة على المعاقل التقليدية للنظام وستفجر أزمات أخرى ليس أقلها من تعاظم الإضرابات وزيادة المسيرات وربما يلجأ الحراك الى تشكيل برلمان شعبي موازي ما ينقل أزمة الأردن الى مستويات جديدة وتجعل من النظام السياسي هدفا للمعارضة والحراك بدلا من أن يكون مرجعا لكافة قوى المجتمع الموالية والمعارضة على حد سواء، وهذه مرحلة نسأل الله جل في علاه أن لا نصل إليها.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير