الانتخابات.. الفرصة الضائعة في الإصلاح السياسي الهادئ
تنامي مطالب الأردنيين بالإصلاح السياسي الحقيقي على مدار السنتين الماضيتين لم يواكبه تجاوب رئيسي من النظام السياسي الذي أخذته الأحداث من حول الأردن على حين غره فلا هو أحدث الإصلاح ولا استطاع ادارة شؤون البلاد بشكل يضمن استقرارا سياسيا واقتصاديا يمكنه من الإبحار في خضم من التقلبات والأزمات الداخلية والإقليمية .نتف من الإصلاح الشكلي والصوري حاول النظام تسويقها على مواطنيه الذين لم تعد تنطلي عليهم خدع السياسيين الذين اذا اتفقوا سرقوا البلاد وإذا اختلفوا قتلوا العباد.
استمر النظام في المماطلة والمراوغة في إحداث إصلاح حقيقي فتارة يطرح قوانين ومقترحات ويشكل لجان حوار وتعديل دستور على طريقته وبما يهوى ويرضى ، وتارة ينكص على عقبيه متراجعا عما التزم وصرح به للقاصي والداني . يصر النظام أنني أنا من بعد الله أقدر لكم ما يناسبكم من الإصلاح وما يلزمكم من الحرية وما ينفعكم من المشاركة وأنا أعرف منكم بأنفسكم وأكثر إحساسا منكم بآلامكم وعليه فقد قررت لكم تعديلات دستورية وقانون انتخاب وأجريت لكم انتخابات "شفافة" التزمت الحكومة الحياد تجاهها.
اما وقد أجريت الانتخابات فهي ليست كما يدعي النظام انها نزيهة وها نحن نرى تداعيات هذه الانتخابات من شغب في مناطق مختلفة من المملكة واستقالات أو التهديد بالاستقالات بين نواب لم يحلفوا اليمين بعد ،ومؤتمرات صحفيه عن انتهاكات صارخة في عمليات الفرز واحتساب الأصوات ناهيك عن نتائج كارثية لقانون الصوت الواحد حيث فتت الأردنيين وشحنهم ضد بعضهم البعض وأفرز نوابا أقل ما يقال فيهم أنهم نواب عائلات وحارات وعشائر ومن ضمنهم 43 نائبا ممن شاركوا في المجلس السادس عشر ! أما القوائم الوطنية فالأمر جد محزن فلم تنجح قائمه واحد في اختيار سدس أعضائها في الوقت أن معظم هذه القوائم كان عدد الأعضاء الناجحين منها يتراوح بين عضو واحد الى لا أحد فكيف سيؤثرون في بناء تكتلات داخل المجلس النيابي ومع من سيتشاور الملك ورئيس حكومته بشأن تشكيل الحكومة؟
النظام أضاع فرصة أخرى وربما الفرصة الأخيرة لإحداث تغيير حقيقي دون اللجوء الى الأسلوب الخشن في المطالبات الشعبية بالإصلاح والتي يمكن أن تستدعي تخلي الأجهزة الأمنية عن الأمن الناعم الذي تبنته كأسلوب لها منذ عامين . لم يبقى حيزا كبيرا للمعارضة والحراكات الشعبية المختلفة فقد استنفذت مجالات وطرق كثيره لحمل النظام على التجاوب مع مطالب الناس وتطلعاتهم الى التغيير والإصلاح الذي يتيح لهم أن يكونوا أسيادا في بلدهم أحرارا على أرضهم وكراما في طنهم ، لذلك فإن ما توقعناه في مقالات سابقة من اضطرار المعارضة الى ابتداع أساليب جديده للضغط على النظام قد بدأ يلوح في الأفق . اليوم بدأ الحراك بطرح موضوع البرلمان الشعبي أو ما اصطلح على تسميته ببرلمان الظل وربما سيتبع ذلك حكومة الظل ولا نستبعد أن تتفاقم قضية المسيرات وتتعاظم أعدادها كما أنه لا يستبعد اللجوء الى الاعتصامات والإضرابات التي يمكن أن تؤثر تأثيرا عميقا على اقتصادنا المأزوم أصلا وهذا كله يمكن أن ينقل ازمة الأردن الى مستويات وأصعدة متقدمة ومتفاقمة مفقدة الصفة السلمية والناعمة للربيع الأردني.
النظام بدد فرصة ثمينة لحدوث إصلاح سلمي هادئ بعد تعلق يصل الى درجة الهوس بقانون الصوت الخبيث وقد زاد الطين بلة بإجراء انتخابات شابها ما شابها من اختلالات وخروقات وغض الطرف من الحكومة على تجاوزات صارخة ووسط شكوك لا يمكن تجاهلها في تغير أرقام اصوات الناخبين التي حصل عليها المترشحين عند تسليم الكشوف من رؤساء لجان الفرز. كثير من الناقمين عل هذه الانتخابات تيقنوا من عدم إخلاص النية من قبل النظام في الإصلاح وقد استقرت نفوسهم وقناعاتهم بأن النظام يسعى فقط الى إعادة الامور الى ما كانت عليه من هدوء وصمت قبل الربيع الأردني وأن هذا النظام غير مخلص في تحقيق الاصلاح السياسي الحقيقي . كثير من المؤيدين للنظام سيتحولون الى معارضين بعدما رأوا بأم أعينهم انتخابات صوريه خالية من الجوهر أفرزت نواب عصائر وقوارير وشجار و"عبط" وألفاظ السوء لم يألف الأردنيون سماعها من سياسيين وقياديين أنيطت بهم مهام تحقيق إدارة شؤون العدل والقضاء والتشريع في الأردن.
الأردنيون مقبلون على مرحلة جديدة وأساليب واستراتيجيات وتقنيات جديدة بشأن مطالب الإصلاح والتعامل معها من قبل النظام ولعل الانتخابات النيابية ونتائجها المأساوية أضافت أزمة جديدة الى أزمات بلدنا بدلا من أن تشكل انفراجا وحلا لما لأزماتنا القديمة والله نسأل أن لا يرفع راية ولا يحقق غاية لكل من أعاق الإصلاح أو أخره أو راوغ فيه إنك أنت السميع العليم.