2024-11-25 - الإثنين
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

إلى أين يسير بنا الملك؟

د. انيس خصاونة
جو 24 :

انتهى عام 2012 زمنيا ولكن آثاره على صحوة المجتمعات العربية أو ما اصطلح على تسميته بالربيع العربي ستبقى ماثلة لسنين أو ربما لعقود كثيرة قادمة.وفي الوقت الذي كان يعتقد فيه البعض أن الأنظمة الملكية ستكون أكثر الأنظمة تأثرا بالحراك السياسي نظرا لاستناد هذه الأنظمة إلى أسس وراثية يشكل الملك فيها مركز السلطة لكونه رئيس السلطات الثلاث في الدولة فإن مجريات الأحداث تشير إلى أن منحى التغيير والإصلاح السياسي في الدول التي تتبع النظام الملكي ومن ضمنها الأردن كان أقل عنفا وأكثر سلما في التعامل مع السقوف العالية لمطالب الجماهير.أما ما تعلق بمدى تجاوب النظام السياسي الأردني مع مطالب الناس، وهذا الأمر الأهم، فهذا أمر ما زال من المبكر الحكم عليه حيث أن المواطن لم يلمس نتائج على الأرض بعد . والسؤال الذي يبرز هنا وفي ظل هذا الخضم من الطلبات الشعبية والحراك السياسي وعودة جذوة المسيرات والمظاهرات في أماكن مختلفة من المملكة ما هو مستقبل النظام الملكي الأردني؟ وهل مستوى مرونة النظام وتجاوبه مع المطالب الشعبية يضمن له الاستمرار ؟وهل كينونة ووجود النظام الملكي في الأردن عرضة للخطر؟.


يعتبر الكثير من الباحثين والمختصين بتطور الأنظمة السياسية أن من الأمور والمعطيات التي استقر عليها العلم وتدعمها الخبرة والتاريخ هي أن الأنظمة الملكية تتناقص عددا في العالم وأنها أي الأنظمة الملكية شهدت خلال القرن العشرين تناقصا حادا في مختلف دول العالم ومن ضمنها الدول العربية. ولعل ذلك يأتي متسقا مع ما أورده العالم الألماني المشهور ماكس فيبر(1864-1920) في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين عندما أشار إلى أن الأنظمة السياسية التقليدية كالأنظمة الملكية الوراثية أو الأنظمة الدينية وبفعل قوى حتمية تاريخية بطريقها إلى التغير والتحول إلى أنظمة فردية كارزماتية تستند في شرعيتها إلى خصائص الفرد وإمكانياته بدلا من حسبه ونسبه أو شرعيته الدينية، وأن هذه الأنظمة الكارزماتية هي أيضا ستتغير وتتحول مع الزمن إلى أنظمة ديمقراطية تستند في شرعيتها السياسية إلى إرادة الشعب وصناديق الاقتراع.والحقيقة أن أفكار ماكس فيبر وتنبؤاته المدروسة جاءت بناءا على التحولات التي شهدتها مختلف الأنظمة السياسية في أوروبا وأنحاء عديدة من العالم. وفعلا فإن المتتبع للتطورات والتحولات في الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط على سبيل المثال يجد اختفاء الأنظمة الملكية في العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا وغيرها وقد تحولت هذه الأنظمة إلى أنظمة فردية كارزماتية جاءت عن طريق الثورات أو الانقلابات العسكرية وقد تمحورت هذه الأنظمة حول شخصية القائد الملهم وأصبغت عليه سمات وخصائص خرافية ابتدعها ونسج خيوطها القائد وبطانة السوء من حوله وعززتها أجهزة الإعلام والسلطة والمال والسجون والمكافآت وغيرها. من جانب آخر وبعد مرور عقود قليلة على هذه الأنظمة فإننا نشهد حاليا مخاضات وتحولات أخرى معظمها عنيف وثوري يهدف إلى الانتقال إلى أنظمة سياسية عصرية تستند في شرعيتها إلى الأسس الديمقراطية وإرادة الشعب. والسؤال هنا أين الأردن من هذه التغيرات والتحولات؟

النظام الملكي في الأردن مشهود له بالمرونة وعدم اللجوء للعنف في التعامل مع مواطنيه على الأقل في العقدين الماضيين من تاريخه.وبالتأكيد فإن هذا النظام وعلى الرغم من اعتماده الملحوظ على الأجهزة الأمنية في إدارة شؤون الدولة كان دوما يتمتع بقدرة كبيرة على التكيف والتأقلم مع الضغوط والمتطلبات الداخلية والخارجية مما عزز من استمراريته . ففي فترة الثمانينات من القرن المنصرم تمكن الملك الحسين من التجاوب مع طلبات الشعب ،واستعاد الأردن حياته البرلمانية، وأجريت تعديلات قانونية وسياسية في جوانب عديدة في الوقت الذي زالت أنظمة سياسية في دول أخرى نتيجة لتعنتها وعدم تجاوبها مع طلبات وإرادة جماهيرها الرامية إلى تحقيق الديمقراطية. الأجواء السياسية في الأردن الآن أجواء مشحونة ومشاعر الناس مؤججة ويشوبها حنق ومرارة كبيره لما آلت إليه الأمور على شتى الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية . والأهم من ذلك ما يشوب الشارع من شعور بالسخط على انتشار الفساد والمحسوبية وتحكم عائلات وعشائر معينة في المواقع القيادية في الدولة، وضعف التمثيل لقطاعات كبيرة من السكان ،وتغلغل الأجهزة الأمنية في شتى مفاصل الدولة ووزاراتها ،والسلطة الكبيرة التي يمارسها الديوان الملكي من خلال الجيش الكبير من الموظفين الذين يفوق عددهم عدد العاملين في البيت الأبيض الأمريكي ناهيك عن الموازنة المالية التي يستهلكونها والنفوذ الهائل الذي يمارسونه في التعيينات والبعثات والعلاج داخل الأردن وخارجه.

الأردنيون يريدون التغيير الجوهري في بنية النظام السياسي الأردني ولا يريدون مجرد كلام منمق وتصريحات لوكالات الأنباء الداخلية والخارجية عن نية النظام في الإصلاح السياسي في الوقت الذي لا يلمس المواطن نتائج لهذا التغيير.أنا أستغرب وربما يستغرب معي كثيرون في تمترس النظام وعدم تجاوبه مع مطالب قطاع لا يستهان فيه من الشعب الأردني في تعديل الدستور لجعل مجلس الأعيان مجلسا منتخبا انتخابا مباشرا من قبل الشعب، كما يستغرب كثيرون عدم تجاوب النظام مع إجراء تعديل دستوري ينص صراحة على تكليف الحزب الفائز في الانتخابات النيابية في تشكيل الحكومة . ويستغرب أيضا عدد مهول من الأردنيين عدم تقبل قيادة النظام السياسي التخلي عن جزء من صلاحياته الواسعة في إدارة شؤون الدولة على الرغم من أن الدستور يعطي الولاية العامة لمجلس الوزراء في الوقت الذي يعفي الملك من أي مساءلة قانونية عن كفاءة إدارة شؤون الدولة.

الأردنيون يريدون لنظامهم الملكي أن يستمر ولكن بحلة جديدة وضوابط متفق عليها جماهيريا وشعبيا وبأساليب تتيح للناس المشاركة في إدارة شؤونهم وحياتهم. نعم الموطنون يزعجهم تدخل الأجهزة الأمنية في عمل الوزارات والدوائر الحكومية والجامعات والانتخابات الطلابية وتعيين رؤساء الجامعات ونوابهم وعمداء الكليات.الأردنيون يتساءلون عن انخراط بعض أعضاء العائلة المالكة والأمراء في" البزنس " ومدى إفادتهم من تسهيلات غير متاحة لبقية المواطنين.الأردنيون يريدون أن يرون نظامهم السياسي متجاوبا مع نبض الناس ومطالبهم وأوجاعهم .النظام الملكي الأردني يمكن أن يستمر ويتوفر فيه مقومات هذا الاستمرار إذا تحلى بالمرونة التي تتطلبها المرحلة وابتعد عن التعنت والتشدد والتمسك بمواقف يمكن أن تولد ردود فعل عكسية تؤذي النظام وترفع من سقوف المطالبات الجماهيرية إلى مستويات وحدود تهدد كينونة النظام نفسه. وفي خضم الحراك السياسي الأردني والمخاضات الناجمة عنه يتساءل بعض الأردنيين عن مستقبل نظامنا الملكي وفيما سيؤول إليه وهل سيصبح نظاما ملكيا ديمقراطيا راقيا على الطريقة البريطانية أم يبقى نظاما ملكيا يتمتع فيه الملك بالسلطة المطلقة على طريقة ملوك بعض الدول حديثة النشأة والاستقلال في آسيا وإفريقيا . هذا التساؤل وغيره سيقرر الأردنيين الإجابة عليه من خلال مثابرتهم وإصرارهم على التغيير في مفاصل جوهرية في طبيعة النظام السياسي وإعادة النظر في بنود رئيسية في الدستور الأردني وخصوصا تلك المتعلقة بصلاحيات الملك وسلطاته الواسعة في تشكيل الحكومات وتعيين أعضاء مجلس الأعيان وإدارة الشؤون العسكرية والأمنية ورسم السياسات العامة الداخلية والخارجية وغيرها.

تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير